لقوله : (يَدْرُسُونَها) أي لم يكونوا أهل دراسة فكان الشأن أن يسرهم ما جاءهم من الحق.
«وثانيهما» : أنهم لم يكونوا على هدى ولا دين منسوب إلى الله تعالى حتى يكون تمسكهم به وخشية الوقوع في الضلالة إن فرّطوا فيه يحملهم على التردد في الحق الذي جاءهم وصدق الرسول الذي أتاهم به فيكون لهم في الصد عنهما بعض العذر : فيكون المعنى : التعجيب من رفضهم الحق حين لا مانع يصدهم ، فليس معنى جملة (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ) إلخ على العطف ولا على الإخبار لأن مضمون ذلك معلوم لا يتعلق الغرض بالإخبار به ، ولكن على الحال لإفادة التعجيب والتحميق ، وعلى هذا المعنى جرى المفسرون.
والدراسة : القراءة بتمهّل وتفهّم ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) في آل عمران [٧٩].
وإنما لم يقيد إيتاء الكتب بقيد كما قيّد الإرسال بقوله : (قَبْلَكَ) لأن الإيتاء هو التمكين من الشيء وهم لم يتمكنوا من القرآن بخلاف إرسال النذير فهو حاصل سواء تقبلوه أم أعرضوا عنه.
ومن نحا نحو أن يكون معنى الآية التفرقة بين حالهم وحال أهل الكتاب فذلك منحى واهن لأنه يجرّ إلى معذرة أهل الكتاب في عضّهم بالنواجذ على دينهم ، على أنه لم يكن في مدة نزول الوحي بمكة علاقة للدعوة الإسلامية بأهل الكتاب وإنما دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وأيضا لا يكون للتقييد ب (قَبْلَكَ) فائدة خاصة كما علمت. وهنالك تفسيرات أخرى أشد بعدا وأبعد عن القصد جدا.
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥))
هذا تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم وتهديد للذين كذّبوه ، فموقع التسلية منه قوله : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وموقع التهديد بقية الآية ، فالتسلية في أن له أسوة بالرسل السابقين ، والتهديد. بتذكيرهم بالأمم السالفة التي كذّبت رسلها وكيف عاقبهم الله على ذلك وكانوا أشد قوة من قريش وأعظم سطوة منهم وهذا كقوله تعالى : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) [الزخرف : ٨].