الإطناب ، فصادف أن كان مضمون الجملتين متحدا اتحاد السبب لمسببين أو العلة لمعلولين كعلة السرقة للقطع والغرم. وبني النظم على هذا الأسلوب الشيق تجنبا لثقل إعادة الجملة إعادة ساذجة ففرعت الثانية على الأولى وأظهر فيها مفعول (كَذَّبَ) وبني عليه الاستفهام التقريري التفظيعي ، أو فرع للتكذيب الخاص على التكذيب الذي هو سجيتهم العامة على الوجه الثاني في معنى : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما تقدم ، ونظيره قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) [القمر : ٩].
والنكير : اسم للإنكار وهو عدّ الشيء منكرا ، أي مكروها ، واستعمل هنا كناية عن الغضب وتسليط العقاب على الآتي بذلك المنكر فهي كناية رمزية.
والمعنى : فكيف كان عقابي لهم على ما جاءوا به مما أنكره ، أي كان عقابا عظيما على وفق إنكارنا تكذيبهم.
و (نَكِيرِ) بكسر الراء وهو مضاف إلى ياء المتكلم ، وحذفت الياء للتخفيف مع التنبيه عليها ببقاء الكسرة على آخر الكلمة وليناسب الفاصلة وأختها. وكتب في المصحف بدون ياء وبوقف عليه بالسكون.
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦))
افتتح بالأمر بالقول هنا وفي الجمل الأربع بعده للاهتمام بما احتوت عليه. وهذا استئناف للانتقال من حكاية أحوال كفر المشركين وما تخلل ذلك من النقض والاستدلال والتسلية والتهديد ووصف صدودهم ومكابرتهم إلى دعوتهم للإنصاف في النظر والتأمل في الحقائق ليتضح لهم خطؤهم فيما ارتكبوه من العسف في تلقي دعوة الإسلام وما ألصقوا به وبالداعي إليه ، وأرشدوا إلى كيفية النظر في شأنهم والاختلاء بأنفسهم لمحاسبتها على سلوكها ، استقصاء لهم في الحجة وإعذارا لهم في المجادلة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢].
ولذلك اجتلبت صيغة الحصر ب (إِنَّما) ، أي ما أعظكم إلّا بواحدة ، طيّا لبساط المناظرة وإرساء على الخلاصة من المجادلات الماضية ، وتقريبا لشقة الخلاف بيننا وبينكم.