وهو قصر إضافي ، أي لا بغيرها من المواعظ المفصلة ، أي إن استكثرتم الحجج وضجرتم من الردود والمطاعن فأنا أختصر المجادلة في كلمة واحدة فقد كانوا يتذمرون من القرآن لأبي طالب : أما ينتهي ابن أخيك عن شتم آلهتنا وآبائنا. وهذا كما يقول المناظر والجدلي بعد بسط الأدلة فيقول : والخلاصة أو والفذلكة كذا.
وقد ارتكب في هذه الدعوة تقريب مسالك النظر إليهم باختصاره ، فوصف بأنه خصلة واحدة لئلا يتجهّموا الإقبال على هذا النظر الذي عقدوا نياتهم على رفضه ، فأعلموا بأن ذلك لا يكلفهم جهدا ولا يضيع عليهم زمنا فليتأملوا فيه قليلا ثم يقضوا قضاءهم ، والكلام على لسان النبي صلىاللهعليهوسلم أمره الله أن يخاطبهم به.
والوعظ : كلام فيه تحذير من مكروه وترغيب في ضده. وتقدم عند قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) في سورة الأعراف [١٤٥] ، وقوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ) في سورة النور [١٧].
و «واحدة» صفة لمحذوف يدل عليه المقام ويفرضه السامع نحو : بخصلة ، أو بقضية ، أو بكلمة.
والمقصود من هذا الوصف تقليلها تقريبا للأفهام واختصارا في الاستدلال وإيجازا في نظم الكلام واستنزالا لطائر نفورهم وإعراضهم.
وبنيت هذه الواحدة بقوله : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) إلى آخره ، فالمصدر المنسبك من (أَنْ) والفعل في موضع البدل من «واحدة» ، أو قل عطف بيان فإن عطف البيان هو البدل المطابق. وإنما اختلف التعبير عنه عند المتقدمين فلا تخض في محاولة الفرق بينهما كالذي خاضوا.
والقيام في قوله : (أَنْ تَقُومُوا) مراد به المعنى المجازي وهو التأهب للعمل والاجتهاد فيه كقوله تعالى : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٢٧].
واللام للتعليل ، أي لأجل الله ولذاته ، أي جاعلين عملكم لله لا لمرضاة صاحب ولا عشيرة ، وهذا عكس قوله تعالى : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) [العنكبوت : ٢٥] ، أو لأجل معرفة الله والتدبر في صفاته.
وكلمة (مَثْنى) معدول بها عن قولهم : اثنين اثنين ، بتكرير كلمة اثنين تكريرا يفيد معنى ترصيف الأشياء المتعددة بجعل كل ما يعدّ بعدد اثنين منه مرصفا على نحو عدده.