مكررة مرتين في السنة ابتداء من الرجوع الشّتوي إلى الرجوع الخريفي ، وهي مطالع متقاربة ليست متّحدة ، فإن المشرق اسم لمكان شروق الشمس وهو ظهورها فإذا راعوا الجهة دون الفصل قالوا : المشرق ، بالإفراد ، وإذا روعي الفصلان الشتاء والصيف قيل : رب المشرقين ، على أن جمع المشارق قد يكون بمراعاة اختلاف المطالع في مبادئ الفصول الأربعة. والآية صالحة للاعتبارين ليعتبر كل فريق من الناس بها على حسب مبالغ علمهم.
[٦ ـ ٧] (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧))
هذه الجملة تتنزل من جملة (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما)[الصافات : ٥] منزلة الدليل على أنه رب السماوات. واقتصر على ربوبية السماوات لأن ثبوتها يقتضي ربوبية الأرض بطريق الأولى. وأدمج فيها منة على الناس بأن جعل لهم في السماء زينة الكواكب تروق أنظارهم فإن محاسن المناظر لذّة للناظرين قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦] ، ومنة على المسلمين بأن جعل في تلك الكواكب حفظا من تلقّي الشياطين للسمع فيما قضى الله أمره في العالم العلوي لقطع سبيل اطلاع الكهان على بعض ما سيحدث في الأرض فلا يفتنوا الناس في الإسلام كما فتنوهم في الجاهلية ، وليكون ذلك تشريفا للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن قطعت الكهانة عند إرساله وللإشارة إلى أن فيها منفعة عظيمة دينية وهي قطع دابر الشك في الوحي ، كما أن فيها منفعة دنيوية وهي للزينة والاهتداء بها في ظلمات البر والبحر.
و (الْكَواكِبِ) : الكريات السماوية التي تلمع في الليل عدا الشمس والقمر. وتسمى النجوم ، وهي أقسام : منها العظيم ، ومنها دونه ، فمنها الكواكب السيارة ، ومنها الثوابت ، ومنها قطع تدور حول الشمس. وفي الكواكب حكم منها أن تكون زينة للسماء في الليل فالكواكب هي التي بها زينت السماء. فإضافة (بِزِينَةٍ) إلى (الْكَواكِبِ) إن جعلت زينة مصدرا بوزن فعلة مثل نسبة كانت من إضافة المصدر إلى فاعله ، أي زانتها الكواكب أو إلى المفعول ، أي بزينة الله الكواكب ، أي جعلها زينا. وإن جعلت زينة اسما لما يتزين به مثل قولنا : ليقة لما تلاق به الدّواة ، فالإضافة حقيقية على معنى «من» الابتدائية ، أي زينة حاصلة من الكواكب. وأيّا ما كان فإقحام لفظ زينة تأكيد ، والباء للسببية ، أي زيّنا السماء بسبب زينة الكواكب فكأنه قيل : إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب تزيينا فكان (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) في قوّة : بالكواكب تزيينا ، فقوله : (بِزِينَةٍ) مصدر مؤكد لفعل (زَيَّنَّا) في المعنى ولكن حوّل التعليق فجعل زينة هو المتعلق ب (زَيَّنَّا) ليفيد معنى التعليل ومعنى