وتأكيد الخبر ب (إِنْ) المخففة من الثقيلة وبلام الابتداء الفارقة بين المخففة والنافية للتسجيل عليهم بتحقيق وقوع ذلك منهم ليسدّ عليهم باب الإنكار. وإقحام فعل (كانُوا) للدلالة على أن خبر (كان) ثابت لهم في الماضي. والتعبير بالمضارع في «يقولو» لإفادة أن ذلك تكرر منهم.
و (لَوْ) شرطية وسدّت (أَنَ) وصلتها مسدّ فعل الشرط وهو كثير في الكلام.
والذكر : الكتاب المقروء ، سمي ذكرا لأنه يذكر الناس بما يجب عليهم مسمّى بالمصدر. وتقدم عند قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) في سورة الحجر [٦].
و (مِنَ الْأَوَّلِينَ) صفة ل (ذِكْراً) ، والمراد ب (الْأَوَّلِينَ) الرسل السابقون ، و (مِنَ) ابتدائية ، أي ذكرا جائيا من الرسل الأولين ، أي مثل موسى وعيسى. ومرادهم بهذا أن الرسل الأولين لم يكونوا مرسلين إليهم ولا بلغوا إليهم كتابهم ولو كانوا مرسلين إليهم لآمنوا بهم فكانوا عباد الله المخلصين ، فذكر في جواب (لَوْ) ما هو أخص من الإيمان ليفيد معنى الإيمان بدلالة الفحوى.
وفي جملة (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) صيغة قصر من أجل كون المسند إليه معرفة بالإضمار والمسند معرفة بالإضافة ، أي لكنا عباد الله دون غيرنا ، ولما وصف المسند ب (الْمُخْلَصِينَ) وهو معرّف بلام الجنس حصل قصر عباد الله الذين لهم صفة الإخلاص في المسند إليه ، وهذا قصر ادعائي للمبالغة في ثبوت صفة الإخلاص لهم حتى كانوا شبيهين بالمنفردين بالإخلاص لعدم الاعتداد بإخلاص غيرهم في جانب إخلاصهم. وهو يؤول إلى معنى تفضيل أنفسهم في الإخلاص لله حينئذ ، كما صرح به في قوله تعالى : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [الأنعام : ١٥٧].
والفاء في قوله : (فَكَفَرُوا بِهِ) للتعقيب على فعل (لَيَقُولُونَ) ، أي استمرّ قولهم حتى كان آخره أن جاءهم الكتاب فكفروا به ، أو للفصيحة ، والتقدير : فكان عندهم ذكر فكفروا به ، فالضمير عائد إلى الذكر وهو القرآن قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) [فصلت : ٤١]. وهذا معنى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [فاطر : ٤٢].
وبهذا كان للوعيد بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) موقعه المصادف المجزّ من الكلام ،