أنذرهم بعذاب يحلّ بهم توقع أنهم سيقولون على سبيل الاستهزاء أرنا العذاب الذي تخوفنا به وعجّله لنا.
وبعض المفسرين ذكر أنهم قالوه فلوحظ ذلك وفرع عليه استفهام تعجيبي من استعجالهم ما في تأخيره والنظرة به رأفة بهم واستبقاء لهم حينا.
والفاء في قوله : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) فاء الفصيحة ، أي إن كانوا يستعجلون بالعذاب فإذا نزل بهم فبئس وقت نزوله. وإسناد النزول إلى العذاب وجعله في ساحتهم استعارة تمثيلية مكنية ، شبهت هيئة حصول العذاب لهم بعد ما أنذروا به فلم يعبئوا بهيئة نزول جيش عدوّ في ساحتهم بعد أن أنذرهم به النذير العريان فلم يأخذوا أهبتهم حتى أناخ بهم.
وذكر الصباح لأنه من علائق الهيئة المشبه بها فإن شأن الغارة أن تكون في الصباح ولذلك كان نذير المجيء بغارة عدوّ ينادي : يا صباحاه! نداء ندبة وتفجع. ولذلك جعل جواب «إذا» قوله : (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) أي بئس الصباح صباحهم.
وفي وصفهم ب (الْمُنْذَرِينَ) ترشيح للتمثيل وتورية في اللفظ لأن المشبهين منذرون من الله بالعذاب. والذين يسوء صباحهم عند الغارة هم المهزومون فكأنه قيل : فإذا نزل بساحتهم كانوا مغلوبين. وهذا التمثيل قابل لتفريق أجزائه في التشبيه بأن يشبه العذاب بالجيش ، وحلوله بهم بنزول الجيش بساحة قوم وما يلحقهم من ضر العذاب بضر الهزيمة ، ووقت نزول العذاب بهم بتصبيح العدوّ محلة قوم. قال في «الكشاف» : «وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي تحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلّا لمجيئها على طريقة التمثيل».
واعلم أن في اختيار هذا التمثيل البديع معنى بديعا من الإيماء إلى أن العذاب الذي وعدوه هو ما أصابهم يوم بدر من قتل وأسر على طريقة التورية.
[١٧٨ ـ ١٧٩] (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩))
عطف على جملة (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) [الصافات : ١٧٧] الآية لأن معنى المعطوف عليها الوعد بأن الله سينتقم منهم فعطف عليه أمره رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن لا يهتمّ بعنادهم.
وهذه نظير التي سبقتها المفرعة بالفاء فلذلك يحصل منها تأكيد نظيرتها ، على أنه قد