يكون هذا التولّي غير الأول وإلى حين آخر وإبصار آخر ، فالظاهر أنه تولّ عمن يبقى من المشركين بعد حلول العذاب الذي استعجلوه ، فيحتمل أن يكون حينا من أوقات الدنيا فهو إنذار بفتح مكة. ويحتمل أن يكون إلى حين من أحيان الآخرة ، وإنما جعل ذلك غاية لتولي النبي صلىاللهعليهوسلم عنهم لأن توليه العذاب عنهم غاية لتولي النبي صلىاللهعليهوسلم عنهم لأن توليه عنهم مستمر إلى يوم القيامة فإن مدة لحاق النبي صلىاللهعليهوسلم بالرفيق الأعلى لما كانت متصلة بتوليه عنهم جعلت تلك المدة كأنها ظرف للتولي ينتهي بحين إحضارهم للعقاب ، فيكون قوله : (حَتَّى حِينٍ) مرادا به الأبد.
وحذف مفعول (وَأَبْصِرْ) في هذه الآية لدلالة ما في نظيرها عليه.
[١٨٠ ـ ١٨٢] (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))
خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم تذييلا لخطابه المبتدأ بقوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) [الصافات : ١٤٩] الآية. فإنه خلاصة جامعة لما حوته من تنزيه الله وتأييده رسله. وهذه الآية فذلكة لما احتوت عليه السورة من الأغراض جمعت تنزيه الله والثناء على الرسل والملائكة وحمد الله على ما سبق ذكره من نعمة على المسلمين من هدى ونصر وفوز بالنعيم المقيم.
وهذه المقاصد الثلاثة هي أصول كمال النفوس في العاجل والآجل ، لأن معرفة الله تعالى بما يليق به تنقذ النفس من الوقوع في مهاوي الجهالة المفضية إلى الضلالة فسوء الحالة. وإنما يتم ذلك بتنزيهه عما لا يليق به. فأشار قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ) إلخ إلى تنزيهه ، وأشار وصف (رَبِّ الْعِزَّةِ) إلى التوصيف بصفات الكمال ، فإن العزة تجمع الصفات النفسية وصفات المعاني والمعنوية لأن الربوبية هي كمال الاستغناء عن الغير ، ولما كانت النفوس وإن تفاوتت في مراتب الكمال لا تسلم من نقص أو حيرة كانت في حاجة إلى مرشدين يبلغونها مراتب الكمال بإرشاد الله تعالى وذلك بواسطة الرسل إلى الناس وبواسطة المبلغين من الملائكة إلى الرسل. وكانت غاية ذلك هي بلوغ الكمال في الدنيا والفوز بالنعيم الدائم في الآخرة. وتلك نعمة تستوجب على الناس حمد الله تعالى على ذلك لأن الحمد يقتضي اتصاف المحمود بالفضائل وإنعامه بالفواضل وأعظمها نعمة الهداية بواسطة الرسل فهم المبلغون إرشاد الله إلى الخلق.
و (رَبِ) هنا بمعنى : مالك. ومعنى كونه تعالى مالك العزة : أنه منفرد بالعزة