(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢))
(بَلِ) للإضراب الإبطالي وهذا نوع من الإضراب الإبطالي نبّه عليه الراغب في «مفردات القرآن» وأشار إليه في «الكشاف» ، وتحريره أنه ليس إبطالا محضا للكلام السابق بحيث يكون حرف (بَلِ) فيه بمنزلة حرف النفي كما هو غالب الإضراب الإبطالي ، ولا هو إضراب انتقالي ، ولكن هذا إبطال لتوهم ينشأ عن الكلام الذي قبله إذ دل وصف القرآن ب (ذِي الذِّكْرِ) [ص : ١] أن القرآن مذكّر سامعيه تذكيرا ناجعا ، فعقب بإزالة توهم من يتوهم أن عدم تذكّر الكفار ليس لضعف في تذكير القرآن ولكن لأنهم متعزّزون مشاقّون ، فحرف (بَلِ) في مثل هذا بمنزلة حرف الاستدراك ، والمقصود منه تحقيق أنه ذو ذكر ، وإزالة الشبهة التي قد تعرض في ذلك.
ومثله قوله تعالى : (ق* وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) [ق : ١ ، ٢] ، أي ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن لنقص في علوّه ومجده ولكن لأنهم عجبوا أن جاءهم به رجل منهم.
ولك أن تجعل (بَلِ) إضراب انتقال من الشروع في التنويه بالقرآن إلى بيان سبب إعراض المعرضين عنه ، لأن في بيان ذلك السبب تحقيقا للتنويه بالقرآن كما يقال : دع ذا وخذ في حديث .. ، كقول امرئ القيس :
فدع ذا وسلّ الهمّ عنك بجسرة |
|
ذمول إذا صام النهار وهجرا |
وقال زهير :
دع ذا وعدّ القول في هرم |
|
خير البداة وسيد الحضر |
وقول الأعشى :
فدع ذا ولكن ما ترى رأي كاشح |
|
يرى بيننا من جهله دقّ منشم |
وقول العجاج :
دع ذا وبهّج حسبا مبهّجا
ومعنى ذلك أن الكلام أخذ في الثناء على القرآن ثم انقطع عن ذلك إلى ما هو أهم وهو بيان سبب إعراض المعرضين عنه لاعتزازهم بأنفسهم وشقاقهم ، فوقع العدول عن جواب القسم استغناء بما يفيد مفاد ذلك الجواب.