فجملة (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) بيان لجملة (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) ، أي حيث عدوه مباهتا لهم بقلب الحقائق والأخبار بخلاف الواقع.
والهمزة للاستفهام الإنكاري التعجيبي ولذلك أتبعوه بما هو كالعلة لقولهم : (ساحِرٌ) وهو (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) أي يتعجب منه كما يتعجب من شعوذة الساحر.
و (عُجابٌ) : وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيرا لأن وزن فعال بضم أوله يدل على تمكن الوصف مثل : طوال ، بمعنى المفرط في الطول ، وكرام بمعنى الكثير الكرم ، فهو أبلغ من كريم ، وقد ابتدءوا الإنكار بأول أصل من أصول كفرهم فإن أصول كفرهم ثلاثة : الإشراك ، وتكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم وإنكار البعث ، والجزاء في الآخرة.
[٦ ـ ٧] (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧))
الانطلاق حقيقته : الانصراف والمشي ، ويستعمل استعمال أفعال الشروع لأن الشارع ينطلق إليه ، ونظيره في ذلك : ذهب بفعل كذا ، كما في قول النبهاني :
فإن كنت سيّدنا سدتنا |
|
وإن كنت للخال فاذهب فخل |
وكذلك قام في قوله تعالى : (إِذْ قامُوا فَقالُوا) في سورة الكهف [١٤].
وقيل : إن الانطلاق هنا على حقيقته ، أي وانصرف الملأ منهم عن مجلس أبي طالب. و (الْمَلَأُ) : سادة القوم قال ابن عطية : قائل ذلك عقبة بن أبي معيط. وقال غير ابن عطية : إن من القائلين أبا جهل ، والعاصي بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث.
و (أَنِ) تفسيرية لأن الانطلاق إن كان مجازا فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان فيه معنى القول دون حروفه فاحتاج إلى تفسير بكلام مقول ، وإن كان الانطلاق على حقيقته فقد تضمن انطلاقهم عقب التقاول بينهم بكلامهم الباطل (هذا ساحِرٌ) [ص : ٤] إلى قوله : (عُجابٌ) [ص : ٥] يقتضي أنهم انطلقوا متحاورين في ما ذا يصنعون. ولما أسند الانطلاق إلى الملأ منهم على أنهم ما كانوا لينطلقوا إلا لتدبير في ما ذا يصنعون فكان ذلك مقتضيا تحاورا وتقاولا احتيج إلى تفسيره بجملة (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) إلخ. والأمر بالمشي يحتمل أن يكون حقيقة ، أي انصرفوا عن هذا المكان مكان المجادلة ، واشتغلوا بالثبات على آلهتكم. ويجوز أن يكون مجازا في