تأخر حلول العذاب بهم ظنوا وعيده كاذبا فأخذوا في البذاءة والاستهزاء ولو ذاقوا العذاب لألقمت أفواههم الحجر.
و (لَمَّا) حرف نفي بمعنى (لم) إلّا أن في (لَمَّا) خصوصية ، وهي أنها تدلّ على المنفي بها متصل الانتفاء إلى وقت التكلم بخلاف (لم) فلذلك كان النفي ب (لَمَّا) قد يفهم منه ترقب حصول المنفي بعد ذلك قال صاحب «الكشاف» في قوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) في سورة الحجرات [١٤] ما في (لَمَّا) من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ، أي دال بطريق المفهوم الحاصل من معنى غاية النفي إلى زمن التكلم ، أي لا أضمن ما بعد ذلك ، وقد ذاقوا عذاب السيف يوم بدر بعد نزول هذه الآية بأربع سنين.
وإضافة (عَذابِ) إلى ياء المتكلم لاختصاصه بالله لأنه مقدّره وقاض به عليهم ولوقوعه على حالة غير جارية على المعتاد إذ الشأن أن يستأصل الجيش القوي الجيش القليل. وحذفت ياء المتكلم تخفيفا للفاصلة ، وأبقيت الكسرة دليلا عليها وهو حذف كثير في الفواصل والشعر على نحو حذفها من المنادى.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩))
(أَمْ) منقطعة وهي للإضراب أيضا وهو إضراب انتقالي فإن (أَمْ) مشعرة باستفهام بعدها هو للإنكار والتوبيخ إنكارا لقولهم : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [ص : ٨] أي ليست خزائن فضل الله تعالى عندهم فيتصدّوا لحرمان من يشاءون حرمانه من مواهب الخير فإن المواهب من الله يصيب بها من يشاء فهو يختار للنبوءة من يصطفيه وليس الاختيار لهم فيجعلوا من لم يقدموه عليهم في دينهم غير أهل لأن يختاره الله.
وتقديم الظرف للاهتمام لأنه مناط الإنكار وهو كقوله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢].
والخزائن : جمع خزانة بكسر الخاء. وهي البيت الذي يخزن فيه المال أو الطعام ، ويطلق أيضا على صندوق من خشب أو حديد يخزن فيه المال.
والخزن : الحفظ والحرز. والرحمة : ما به رفق بالغير وإحسان إليه ، شبهت رحمة الله بالشيء النفيس المخزون الذي تطمح إليه النفوس في أنه لا يعطى إلا بمشيئة خازنه على طريقة الاستعارة المكنية. وإثبات الخزائن : تخييل مثل إثبات الأظفار للمنية ،