ووصل بين الحبلين بحبال معترضة مشدودة أو بأعواد بين الحبلين مضفور عليها جنبتا الحبلين فهو السلّم. وحرف الظرفية استعارة تبعية للتمكن من الأسباب حتى كأنها ظروف محيطة بالمرتقين.
(جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١))
يجوز أن يكون استئنافا يتصل بقوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ)[ص : ٣] الآية أريد به وصل الكلام السابق فإنه تقدم قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) [ص : ٢] وتلاه قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) الآية. فلما تقضى الكلام على تفصيل ما للذين كفروا من عزة وشقاق وما لذلك من الآثار ثني العنان إلى تفصيل ما أهلك من القرون أمثالهم من قبلهم في الكفر ليفضي به إلى قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) [ص : ١٢] إلى قوله : (فَحَقَّ عِقابِ) [ص : ١٤].
فتكون جملة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) بدلا من جملة (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) بدل بعض من كلّ. ويجوز أن يكون استئنافا ابتدائيا مستقلا خارجا مخرج البشارة للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن هؤلاء جند من الأحزاب مهزوم ، أي مقدّر انهزامه في القريب ، وهذه البشارة معجزة من الإخبار بالغيب ختم بها وصف أحوالهم. قال قتادة : وعد الله أنه سيهزمهم وهم بمكة فجاء تأويلها يوم بدر. وقال الفخر : إشارة إلى فتح مكة. وقال بعض المفسرين : إشارة إلى نصر يوم الخندق.
وعادة الأخبار الجارية مجرى البشارة أو النذارة بأمر مغيب أن تكون مرموزة ، والرمز في هذه البشارة هو اسم الإشارة من قوله : (هُنالِكَ) فإنه ليس في الكلام ما يصلح لأن يشار إليه بدون تأوّل فلنجعله إشارة إلى مكان أطلع الله عليه نبيئه صلىاللهعليهوسلم وهو مكان بدر. ويجوز أن يكون لفظ (الْأَحْزابِ) في هذه الآية إشارة خفية إلى انهزام الأحزاب أيام الخندق فإنها عرفت بغزوة الأحزاب. وسمّاهم الله (الْأَحْزابِ) في السورة التي نزلت فيهم ، فتكون تلك التسمية إلهاما كما ألهم الله المسلمين فسمّوا حجّة النبي صلىاللهعليهوسلم حجّة الوداع وهو يومئذ بينهم سليم المزاج ، وهذا في عداد المعجزات الخفية التي جمعنا طائفة منها في كتاب خاص. ولعل اختيار اسم الإشارة البعيد رمز إلى أن هذا الانهزام سيكون في مكان بعيد غير مكة فلا تكون الآية مشيرة إلى فتح مكة لأن ذلك الفتح لم يقع فيه عذاب للمكذبين بل عفا الله عنهم وكانوا الطلقاء.