(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) ، أخبر أوّلا عنهم بأنهم كذبوا وأكد ذلك بالإخبار عنهم بأنهم ليسوا إلّا مكذبين على وجه الحصر كأنهم لا صفة لهم إلا تكذيب الرسل لتوغلهم فيها وكونها هجّيراهم. و (إِنْ) نافية ، وتنوين (كُلٌ) تنوين عوض ، والتقدير : إن كلّهم.
وجيء بالمسند فعلا في قوله : (كَذَّبَ الرُّسُلَ) ليفيد تقديم المسند إليه عليه تخصيص المسند إليه بالمسند الفعلي فحصل بهذا النظم تأكيد الحصر.
وتعدية (كَذَّبَ) إلى (الرُّسُلَ) بصيغة الجمع مع أن كل أمة إنما كذبت رسولها ، مقصود منه تفظيع التكذيب لأن الأمة إنما كذّبت رسولها مستندة لحجة سفسطائية هي استحالة أن يكون واحد من البشر رسولا من الله فهذه السفسطة تقتضي أنهم يكذبون جميع الرسل. وقد حصل تسجيل التكذيب عليهم بفنون من تقوية ذلك التسجيل وهي إبهام مفعول (كَذَّبَتْ) في قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) ثم تفصيله بقوله : (إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) وما في قوله : (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) من الحصر ، وما في تأكيده بالمسند الفعلي في قوله : (إِلَّا كَذَّبَ) ، وما في جعل المكذّب به جميع الرسل ، فأنتج ذلك التسجيل استحقاقهم عذاب الله في قوله : (فَحَقَّ عِقابِ) ، أي عقابي ، فحذفت ياء المتكلم للرعاية على الفاصلة وأبقيت الكسرة في حالة الوصل.
وحق : تحقق ، أي كان حقّا ، لأنه اقتضاه عظيم جرمهم. والعقاب : هو ما حلّ بكل أمة منهم من العذاب وهو الغرق والتمزيق بالريح ، والغرق أيضا ، والصيحة ، والخسف ، وعذاب يوم الظّلة.
وفي هذا تعريض بالتهديد لمشركي قريش بعذاب مثل عذاب أولئك لاتحادهم في موجبه.
(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥))
لما أشعر قوله : (فَحَقَّ عِقابِ) [ص : ١٤] بتهديد مشركي قريش بعذاب ينتظرهم جريا على سنة الله في جزاء المكذبين رسله ، عطف على جملة الإخبار عن حلول العذاب بالأحزاب السابقين جملة توعد بعذاب الذين ماثلوهم في التكذيب.
و (هؤُلاءِ) إشارة إلى كفار قريش لأن تجدد دعوتهم ووعيدهم وتكذيبهم يوما فيوما جعلهم كالحاضرين فكانت الإشارة مفهوما منها أنها إليهم ، وقد تتبعت اصطلاح القرآن فوجدته إذا استعمل (هؤُلاءِ) ولم يكن معه مشار إليه مذكور : أنه يريد به المشركين من