وأخذ من الآية مشروعية القضاء في المسجد ، قالوا : وليس في القرآن ما يدل على ذلك سوى هذه الآية بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكاه الكتاب أو السنة. وقد حكيت هذه القصة في سفر «صمويل الثاني» في الإصحاح الحادي عشر على خلاف ما في القرآن وعلى خلاف ما تقتضيه العصمة لنبوءة داود عليهالسلام فاحذروه.
والذي في القرآن هو الحق ، والمنتظم مع المعتاد وهو المهيمن عليه ، ولو حكي ذلك بخبر آحاد في المسلمين لوجب ردّه والجزم بوضعه لمعارضته المقطوع به من عصمة الأنبياء من الكبائر عند جميع أهل السنة ومن الصغائر عند المحققين منهم وهو المختار.
(هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)
أي علم داود بعد انتهاء الخصومة أن الله جعلها له فتنة ليشعره بحال فعلته مع (أوريا) وقد أشعره بذلك ما دلّه عليه انصراف الخصمين بصورة غير معتادة ، فعلم أنهما ملكان وأن الخصومة صورية فعلم أن الله بعثهما إليه عتبا له على متابعة نفسه زوجة (أوريا) وطلبه التنازل عنها. وعبر عن علمه ذلك بالظن لأنه علم نظري اكتسبه بالتوسم في حال الحادثة وكثيرا ما يعبر عن العلم النظري بالظن لمشابهته الظن من حيث إنه لا يخلو من تردد في أول النظر.
و (أَنَّما) مفتوحة الهمزة أخت (إنما) تفيد الحصر ، أي ظنّ أن الخصومة ليست إلّا فتنة له ، أو ظن أن ما صدر منه في تزوج امرأة أوريا ليس إلا فتنة. ومعنى (فَتَنَّاهُ) قدّرنا له فتنة ، فيجوز أن تكون الفتنة بالمعنى المشهور في تدبير الحيلة لقتل (أوريا) فعبر عنها بالفتنة لأنها أورثت داود مخالفة للأليق به من صرف نفسه عن شيء غيره ، وعدم متابعته ميله النفساني وإن كان في دائرة المباح في دينهم ، فيكون المعنى : وعلم أن ما صدر منه فتنة من النفس. وإنما علم ذلك بعد أن أحسّ من نفسه كراهية مثلها مما صوره له الخصمان.
ويجوز أن يكون الفتن بمعنى الابتلاء والاختبار ، كقوله تعالى لموسى : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه : ٤٠] ، أي ظن أنا اختبرنا زكانته بإرسال الملكين ، يصور أن له صورة شبيهة بفعله ففطن أن ما فعله أمر غير لائق به. وتفريع (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) على ذلك الظنّ ظاهر