دلالة الالتزام لأن من أنكر البعث والجزاء فقد تقلد أن ما هو جار في أحوال الناس باطل ، والناس من خلق الله فباطلهم إذا لم يؤاخذهم خالقهم عليه يكون مما أقرّه خالقهم ، فيكون في خلق السماء والأرض وما بينهما شيء من الباطل ، فتنتقض كلية قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) ، وهو ما ألزمهم إياه قوله تعالى : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا). والإشارة إلى القضية المنفية لا إلى نفيها ، أي خلق المذكورات باطلا هو ظن الذين كفروا ، أي اعتقادهم. وأطلق الظن على العلم لأن ظنهم علم مخالف للواقع فهو باسم الظن أجدر لأن إطلاق الظن يقع عليه أنواع من العلم المشبه والباطل. وفي هذه الآية دليل على أن لازم القول يعتبر قولا ، وأن لازم المذهب مذهب وهو الذي نحاه فقهاء المالكية في موجبات الردة من أقوال وأفعال.
وفرع على هذا الاستدلال وعدم جري المشركين على مقتضاه قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) أي نار جهنم. وعبر عنهم بالموصول لما تشير إليه الصلة من أنهم استحقوا العقاب على سوء اعتقادهم وسوء أعمالهم ، وأن ذلك أيضا من آثار انتفاء الباطل عن خلق السماوات والأرض وما بينهما ، لأنهم كانوا على باطل في إعراضهم عن الاستدلال بنظام السماوات والأرض ، وفي ارتكابهم مفاسد عوائد الشرك وملته ، وقد تمتّعوا بالحياة الدنيا أكثر مما تمتع بها الصالحون فلا جرم استحقوا جزاء أعمالهم.
ولفظ : «ويل» يدل على أشدّ السوء. وكلمة : ويل له ، تقال للتعجيب من شدة سوء حالة المتحدث عنه ، وهي هنا كناية عن شدة عذابهم في النار. و (مِنَ) ابتدائية كما في قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٧٩] ، وقول النبيصلىاللهعليهوسلم لابن الزبير حين شرب دم حجامته : «ويل لك من الناس وويل للناس منك».
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨))
(أَمْ) منقطعة أفادت إضرابا انتقاليا وهو ارتقاء في الاستدلال على ثبوت البعث وبيان لما هو من مقتضى خلق السماء والأرض بالحق ، بعد أن سيق ذلك بوجه الاستدلال الجمليّ ، وقد كان هذا الانتقال بناء على ما اقتضاه قوله : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص : ٢٧] فلأجل ذلك بني على استفهام مقدر بعد (أَمْ) وهو من لوازم استعمالها ، وهو استفهام إنكاري. والمعنى : لو انتفى البعث والجزاء كما تزعمون لاستوت عند الله أحوال