(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠))
جعل التخلص إلى مناقب سليمان عليهالسلام من جهة أنه من منن الله على داود عليهالسلام ، فكانت قصة سليمان كالتكملة لقصة داود. ولم يكن لحال سليمان عليهالسلام شبه بحال محمدصلىاللهعليهوسلم ، فلذلك جزمنا بأن لم يكن ذكر قصته هنا مثالا لحال محمد صلىاللهعليهوسلم وبأنها إتمام لما أنعم الله به على داود إذ أعطاه سليمان ابنا بهجة له في حياته وورث ملكه بعد مماته ، كما أنبأ عنه قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) الآية.
ولهذه النكتة لم تفتتح قصة سليمان بعبارة : واذكر ، كما افتتحت قصة داود ثم قصة أيوب ، والقصص بعدها مفصّلها ومجملها غير أنها لم تخل من مواضع إسوة وعبرة وتحذير على عادة القرآن من افتراض الإرشاد.
ومن حسن المناسبة لذكر موهبة سليمان أنه ولد لداود من المرأة التي عوتب داود لأجل استنزال زوجها أوريا عنها كما تقدّم ، فكانت موهبة سليمان لداود منها مكرمة عظيمة هي أثر مغفرة الله لداود تلك المخالفة التي يقتضي قدره تجنبها وإن كانت مباحة وتحققه لتعقيب الأخبار عن المغفرة له بقوله : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : ٤٠] فقد رضياللهعنه فوهب له من تلك الزوجة نبيئا وملكا عظيما.
فجملة (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) عطف على جملة (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) [ص : ١٨] وما بعدها من الجمل. وجملة (نِعْمَ الْعَبْدُ) في موضع الحال من (سُلَيْمانَ) وهي ثناء عليه ومدح له من جملة من استحقوا عنوان العبد لله ، وهو العنوان المقصود منه التقريب بالقرينة كما تقدم في قوله تعالى : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) في سورة الصافات [٤٠ ، ٤١].
والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله : (سُلَيْمانَ) والتقدير : نعم العبد سليمان.
وجملة (إِنَّهُ أَوَّابٌ) تعليل للثناء عليه ب (نِعْمَ الْعَبْدُ). والأوّاب : مبالغة في الآئب أي كثير الأوب ، أي الرجوع إلى الله بقرينة أنه مادحه. والمراد من الأوب إلى الله : الأوب إلى أمره ونهيه ، أي إذا حصل له ما يبعده عن ذلك تذكر فآب ، أي فتاب ، وتقدم ذلك آنفا في ذكر داود.