[٣١ ـ ٣٣] (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣))
يتعلق (إِذْ عُرِضَ) ب (أَوَّابٌ) [ص : ٣٠]. وتعليق هذا الظرف ب (أَوَّابٌ) تعليق تعليل لأن الظروف يراد منها التعليل كثيرا لظهور أن ليس المراد أنه أوّاب في هذه القصة فقط لأن صيغة أوّاب تقتضي المبالغة. والأصل منها الكثرة فتعين أن ذكر قصة من حوادث أوبته كان لأنها ينجلي فيها عظم أوبته. والعرض : الإمرار والإحضار أمام الرائي ، أي عرض سواس خيله إياها عليه.
والعشيّ : من العصر إلى الغروب. وتقدم في قوله : (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) في سورة الأنعام [٥٢]. وذلك وقت افتقاد الخيل والماشية بعد رواحها من مراعيها ومراتعها. وذكر العشي هنا ليس لمجرد التوقيت بل ليبنى عليه قوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) ، فليس ذكر العشيّ في وقع هذه الآية كوقعه في قول عمرو بن كلثوم :
ملوك من بني جشم بن بكر |
|
يساقون العشية يقتلونا |
و (الصَّافِناتُ) : وصف لموصوف محذوف استغنى عن ذكره لدلالة الصفة عليه لأن الصافن لا يكون إلا من الخيل والأفراس وهو الذي يقف على ثلاث قوائم وطرف حافر القائمة الرابعة لا يمكّن القائمة الرابعة من الأرض ، وتلك من علامات خفته الدالة على كرم أصل الفرس وحسن خلاله ، يقال : صفن الفرس صفونا ، وأنشده ابن الأعرابي والزجّاج في صفة فرس :
ألف الصّفون فلا يزال كأنه |
|
مما يقوم على الثلاث كسيرا (١) |
(الْجِيادُ) : جمع جواد بفتح الواو وهو الفرس ذو الجودة ، أي النفاسة ، وكان سليمان مولعا بالإكثار من الخيل والفرسان ، فكانت خيله تعد بالآلاف.
وأصل تركيب (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) : أحببت الخير حبّا ، فحول التركيب إلى (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) فصار (حُبَّ الْخَيْرِ) تمييزا لإسناد نسبة المحبة إلى نفسه لغرض
__________________
(١) في هذا البيت إشكال من جهة العربية إذ نصب كسيرا وهو في المعنى خبر كأن. وخرج على أنه جعله خبر (يزال) على وجه التشبيه البليغ. وأقحم (كأنه) لتقرر التشبيه. وقد احتفل ببيان هذا البيت ابن الحاجب في «أماليه» ، وصاحب الكشف على «الكشاف».