لا غيرك ، لأن الله يهب ما لا يملك غيره أن يهبه.
[٣٦ ـ ٣٨] (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨))
اقتضت الفاء وترتيب الجمل أن تسخير الريح وتسخير الشياطين كانا بعد أن سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده أن أعطاه هاتين الموهبتين زيادة في قوة ملكه وتحقيقا لاستجابة دعوته لأنه إنما سأل ملكا لا ينبغي لأحد غيره ولم يسأل الزيادة فيما أعطيه من الملك. ولعل الله أراد أن يعطيه هاتين الموهبتين وأن لا يعطيهما أحدا بعده حتى إذا أعطى أحدا بعده ملكا مثل ملكه فيما عدا هاتين الموهبتين لم يكن قد أخلف إجابته.
والتسخير الإلجاء إلى عمل بدون اختيار ، وهو مستعار هنا لتكوين أسباب صرف الريح إلى الجهات التي يريد سليمان توجيه سفنه إليها لتكون معينة سفنه على سرعة سيرها ، ولئلا تعاكس وجهه سفنه ، وتقدم في قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) في سورة سبأ [١٢].
وقرأ أبو جعفر الرياح بصيغة الجمع.
وتقدم قوله : (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) في سورة الأنبياء [٨١].
واللام في (لَهُ) للعلة ، أي لأجله ، أي ذلك التسخير كرامة من الله له بأن جعل تصريف الرياح مقدّرا على نحو رغبته.
والأمر في قوله : (بِأَمْرِهِ) مستعار للرغبة أو للدعاء بأن يدعو الله أن تكون الريح متجهة إلى صوب كذا حسب خطة أسفار سفائنه ، أو يرغب ذلك في نفسه ، فيصرف الله الريح إلى ما يلائم رغبته وهو العليم بالخفيّات.
والرّخاء : اللينة التي لا زعزعة في هبوبها. وانتصب (رُخاءً) على الحال من ضمير (تَجْرِي) أي تجري بأمره لينة مساعدة لسير السفن وهذا من التسخير لأن شأن الريح أن تتقلب كيفيات هبوبها ، وأكثر ما تهب أن تهب شديدة عاصفة ، وقد قال تعالى في سورة الأنبياء [٨١] : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) ومعناه : سخرنا لسليمان الريح التي شأنها العصوف ، فمعنى (فَسَخَّرْنا لَهُ) جعلناها له رخاء. فانتصب (عاصِفَةً) في آية سورة الأنبياء على الحال من (الرِّيحَ) وهي حال منتقلة. ولما أعقبه بقوله : (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) علم