ببناء هيكل أورشليم وهو الذي سمي في الإسلام المسجد الأقصى وما جلب إليه من مواد إقامته من الممالك المجاورة له ، وكذلك الصرح الذي أقامه وأدخلت عليه فيه مملكة سبأ.
و (آخَرِينَ) عطف على (كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) فهو من جملة بدل البعض. وجمع آخر بمعنى مغاير ، فيجوز أن تكون المغايرة في النوع من غير نوع الجن ، ويجوز أن تكون المغايرة في الصفة ، أي غير بنائين وغوّاصين. وقد كان يجلب من الممالك المجاورة له والداخلة تحت ظل سلطانه ما يحتاج إليه في بناء القصور والحصون والمدن وكانت مملكته عظيمة وكل الملوك يخشون بأسه ويصانعونه.
والمقرّن : اسم مفعول من قرنه مبالغة في قرنه أي جعله قرينا لغيره لا ينفك أحدهما عن الآخر.
و (الْأَصْفادِ) : جمع صفد بفتحتين وهو القيد. يقال : صفده ، إذا قيّده. وهذا صنف ممن عبر عنهم بالشياطين شديد الشكيمة يخشى تفلته ويرام أن يستمر يعمل أعمالا لا يجيدها غيره فيصفد في القيود ليعمل تحت حراسة الحراس. وقد كان أهل الرأي من الملوك يجعلون أصحاب الخصائص في الصناعات محبوسين حيث لا يتصلون بأحد لكيلا يستهويهم جواسيس ملوك آخرين يستصنعونهم ليتخصص أهل تلك المملكة بخصائص تلك الصناعات فلا تشاركها فيها مملكة أخرى وبخاصة في صنع آلات الحرب من سيوف ونبال وقسيّ ودرق ومجانّ وخوذ وبيضات ودروع ، فيجوز أن يكون معنى : (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) حقيقة ، ويجوز أن يكون تمثيلا لمنع الشياطين من التفلت.
وقد كان ملك سليمان مشتهرا بصنع الدروع السابغات المتقنة. يقال : دروع سليمانية. قال النابغة :
وكل صموت نثلة تبّعيّة |
|
ونسج سليم كلّ قمصاء ذائل |
أراد نسج سليمان ، أي نسج صنّاعه.
(هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩))
والإشارة إلى التسخير المستفاد من (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) [ص : ٣٦] إلى قوله : (وَالشَّياطِينَ) [ص : ٣٧] أي هذا التسخير عطاؤنا. والإضافة لتعظيم شأن المضاف لانتسابه إلى المضاف إليه فكأنه قيل : هذا عطاء عظيم أعطيناكه. والعطاء مصدر بمعنى المعطى مثل