فأما في الأيمان فقد كفانا الله التكلّف بأن شرع لنا كفارات الأيمان. وقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني فعلت الذي هو خير» ، فصار ما في شرعنا ناسخا لما شرع لأيوب فلا حاجة إلى الخوض فيها ، ومذهب الحنفية العمل بذلك استنادا لكونه شرعا لمن قبلنا وهو قول الشافعي.
وقال مالك : هذه خاصة بأيوب أفتى الله بها نبيئا. وحكى القرطبي عن الشافعي أنه خصه بما إذا حلف ولم تكن له نية كأنه أخرجه مخرج أقل ما يصدق عليه لفظ الضرب والعدد. وأما القياس على فتوى أيوب في كلّ ضرب معيّن بعدد في غير اليمين ، أي في باب الحدود والتعزيرات فهو تطوح في القياس لاختلاف الجنس بين الأصل والفرع ، ولاختلاف مقصد الشريعة من الكفارات ومقصدها من الحدود والتعزيرات ، ولترتب المفسدة على إهمال الحدود والتعزيرات دون الكفارات. ولا شك أن مثل هذا التسامح في الحدود يفضي إلى إهمالها ومصيرها عبثا. وما وقع في «سنن أبي داود» من حديث أبي أمامة عن بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأنصار «أنّ رجلا منهم كان مريضا مضنى فدخلت عليه جارية فهشّ لها فوقع عليها فاستفتوا له رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة. ورواه غير أبي داود بأسانيد مختلفة وعبارات مختلفة. وما هي إلا قصة واحدة فلا حجة فيه لأنه تطرقته احتمالات.
أولها : أن ذلك الرجل كان مريضا مضنى ولا يقام الحد على مثله.
الثاني : لعلّ المرض قد أخل بعقله إخلالا أقدمه على الزنا فكان المرض شبهة تدرأ الحدّ عنه.
الثالث : أنه خبر آحاد لا ينقض به التواتر المعنوي الثابت في إقامة الحدود.
الرابع : حمله على الخصوصية. ومذهب الشافعي أنه يعمل بذلك في الحد للضرورة كالمرض وهو غريب لأن أحاديث النبي صلىاللهعليهوسلم وأقوال السلف متضافرة على أن المريض والحامل ينتظران في إقامة الحد عليهما حتى يبرءا ، ولم يأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن تضرب الحامل بشماريخ ، فما ذا يفيد هذا الضرب الذي لا يزجر مجرما ، ولا يدفع مأثما ، وفي «أحكام الجصّاص» عن أبي حنيفة مثل ما للشافعي. وحكى الخطابي أن أبا حنيفة ومالكا اتفقا على أنه لا حدّ إلا الحد المعروف. فقد اختلف النقل عن أبي حنيفة.