(إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
علة لجملة (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) [ص : ٤٢] وجملة (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) [ص : ٤٣] ، أي أنعمنا عليه بجبر حاله ، لأنا وجدناه صابرا على ما أصابه فهو قدوة للمأمور بقوله : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) [المزمل : ١٠] صلىاللهعليهوسلم ، فكانت (إنّ) مغنية عن فاء التفريع.
ومعنى (وَجَدْناهُ) أنه ظهر في صبره ما كان في علم الله منه.
وقوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) مثل قوله في سليمان (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:٣٠] ، فكان سليمان أوّابا لله من فتنة الغنى والنعيم ، وأيوب أوّابا لله من فتنة الضرّ والاحتياج ، وكان الثناء عليهما متماثلا لاستوائهما في الأوبة وإن اختلفت الدواعي. قال سفيان : أثنى الله على عبدين ابتليا : أحدهما صابر ، والآخر شاكر ، ثناء واحدا. فقال لأيوب ولسليمان (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
[٤٥ ـ ٤٧] (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧))
القول فيه كالقول في نظائره لغة ومعنى. وذكر هؤلاء الثلاثة ذكر اقتداء وائتساء بهم ، فأما إبراهيم عليهالسلام فيما عرف من صبره على أذى قومه ، وإلقائه في النار ، وابتلائه بتكليف ذبح ابنه ، وأما ذكر إسحاق ويعقوب فاستطراد بمناسبة ذكر إبراهيم ولما اشتركا به من الفضائل مع أبيهم التي يجمعها اشتراكهم في معنى قوله : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) ليقتدي النبي صلىاللهعليهوسلم بثلاثتهم في القوة في إقامة الدين والبصيرة في حقائق الأمور.
وابتدئ بإبراهيم لتفضيله بمقام الرسالة والشريعة ، وعطف عليه ذكر ابنه وعطف على ابنه ابنه يعقوب. وقرأ الجمهور (وَاذْكُرْ عِبادَنا) بصيغة الجمع على أن (إِبْراهِيمَ) ومن عطف عليه كله عطف بيان. وقرأ ابن كثير عبدنا بصيغة الإفراد على أن يكون (إِبْراهِيمَ) عطف بيان من (عِبادَنا) ويكون (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) عطف نسق على (عِبادَنا). ومآل القراءتين متّحد.
و (الْأَيْدِي) : جمع يد بمعنى القوة في الدين. كقوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) في سورة الذاريات [٤٧].
و (الْأَبْصارِ) : جمع بصر بالمعنى المجازي ، وهو النظر الفكري المعروف بالبصيرة ،