وجيء باسم العاقل وهو (مَنْ) الموصولة تغليبا للعاقلين من المخلوقات.
وجملة (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) في موضع العلة لما يتولد من معنى الاستفهام في قوله : (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من الإقرار بأنهم أضعف خلقا من خلق السماوات وعوالمها احتجاجا عليهم بأن تأتّي خلقهم بعد الفناء أهون من تأتي المخلوقات العظيمة المذكورة آنفا ولم تكن مخلوقة قبل فإنهم خلقوا من طين لأن أصلهم وهو آدم خلق من طين كما هو مقرر لدى جميع البشر فكيف يحيلون البعث بمقالاتهم التي منها قولهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الصافات : ١٦].
والطين : التراب المخلوط بالماء.
واللازب : اللاصق بغيره ومنه أطلق على الأمر الواجب «لازب» في قول النابغة :
ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وقد قيل : إن باء لازب بدل من ميم لازم ، والمعنى : أنه طين عتيق صار حمأة. وضمير (إِنَّا خَلَقْناهُمْ) عائد إلى المشركين وهو على حذف مضاف ، أي خلقنا أصلهم وهو آدم فإنه الذي خلق من طين لازب ، فإذا كان أصلهم قد أنشئ من تراب فكيف ينكرون إمكان إعادة كل آدمي من تراب.
[١٢ ـ ١٤] (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤))
(بَلْ) للإضراب الانتقالي من التقرير التوبيخي إلى أن حالهم عجب.
وقرأ الجمهور (بَلْ عَجِبْتَ) بفتح التاء للخطاب. والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم المخاطب بقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ) [الصافات : ١١]. وفعل المضيّ مستعمل في معنى الأمر وهو من استعمال الخبر في معنى الطلب للمبالغة كما يستعمل الخبر في إنشاء صيغ العقود نحو : بعت. والمعنى : اعجب لهم. ويجوز أن يكون العجب قد حصل من النبي صلىاللهعليهوسلم لما رأى إعراضهم وقلة إنصافهم فيكون الخبر مستعملا في حقيقته. ويجوز أن يكون الكلام على تقدير همزة الاستفهام ، أي بل أعجبت.
والمعنى على الجميع : أن حالهم حرية بالتعجب كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) في سورة الرعد [٥].