والإشارة إذن إلى ما هو مشاهد عندهم من النعيم.
وقرأ الجمهور : (تُوعَدُونَ) بتاء الخطاب فهو على الاحتمال الأول التفات من الغيبة إلى الخطاب لتشريف المتقين بعزّ الحضور لخطاب الله تعالى ، وعلى الاحتمال الثاني الخطاب لهم على ظاهره. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحده «يوعدون» بياء الغيبة فهو على الاحتمال الأول التفات عن توجيه الخطاب إليهم إلى توجيهه للطاغين لزيادة التنكيل عليهم. والإشارة إلى المذكور من «حسن المئاب» ، وعلى الاحتمال الثاني كذلك وجّه الكلام إلى أهل المحشر لتنديم الطاغين وإدخال الحسرة والغمّ عليهم. والإشارة إلى النعيم المشاهد.
واللام في (لِيَوْمِ الْحِسابِ) لام العلة ، أي وعدتموه لأجل يوم الحساب. والمعنى لأجل الجزاء يوم الحساب ، فلما كان الحساب مؤذنا بالجزاء جعل اليوم هو العلة. وهذه اللام تفيد معنى التوقيت تبعا كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] تنزيلا للوقت منزلة العلة. ولذلك قال الفقهاء : أوقات الصلوات أسباب.
(إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤))
يجري محمل اسم الإشارة هذا على الاحتمالين المذكورين في الكلام السابق.
والعدول عن الضمير إلى اسم الإشارة لكمال العناية بتمييزه وتوجيه ذهن السامع إليه. وأطلق الرزق على النعمة كما في قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو أن أحدهم قال حين يضاجع أهله : اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا ثم ولد لهما ولد لم يمسه شيطان أبدا» فسمّى الولد رزقا.
والتوكيد ب (إِنَ) للاهتمام. والنفاد : الانقطاع والزوال.
[٥٥ ـ ٥٦] (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦))
اسم الإشارة (هذا) مستعمل في الانتقال من غرض إلى غرض تنهية للغرض الذي قبله. والقول فيه كالقول في (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : ٤٩]. والتقدير : هذا شأن المتقين ، أو هذا الشأن ، أو هذا كما ذكر.
وجملة (يَصْلَوْنَها) حال من (جَهَنَّمَ) وهي حال مؤكدة لمعنى اللام الذي هو عامل في «الطاغين» فإن معنى اللام أنهم تختصّ بهم جهنم واختصاصها بهم هو ذوق عذابها لأن