العذاب ذاتي لجهنم.
والطاغي : الموصوف بالطغيان وهو : مجاوزة الحد في الكبر والتعاظم. والمراد بهم عظماء أهل الشرك لأنهم تكبّروا بعظمتهم على قبول الإسلام ، وأعرضوا عن دعوة الرسولصلىاللهعليهوسلم بكبر واستهزاء ، وحكموا على عامة قومهم بالابتعاد عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعن المسلمين وعن سماع القرآن ، وهم : أبو جهل وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، والعاصي بن وائل وأضرابهم.
والفاء في (فَبِئْسَ الْمِهادُ) لترتيب الإخبار وتسببه على ما قبله ، نظير عطف الجمل ب (ثمّ) وهي كالفاء في قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) [الأنفال : ١٧] بعد قوله : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) في سورة الأنفال [١٥]. وهذا استعمال بديع كثير في القرآن وهو يندرج في استعمالات الفاء العاطفة ولم يكشف عنه في «مغني اللبيب».
والمعنى : جهنم يصلونها ، فيتسبب على ذلك أن نذكر ذم هذا المقرّ لهم ، وعبر عن جهنم ب (الْمِهادُ) على وجه الاستعارة ، شبه ما هم فيه من النار من تحتهم بالمهاد وهو فراش النائم كقوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) [الأعراف : ٤١].
[٥٧ ـ ٥٨] (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨))
اسم الإشارة هنا جار على غالب مواقعه وهو نظير قوله : (هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) [ص : ٥٣] والقول فيه مثله. وإشارة القريب لتقريب الإنذار والمشار إليه ما تضمنه قوله : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) [ص : ٥٦] من الصلي ومن معنى العذاب ، أو الإشارة إلى شرّ من قوله : (لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٥٥].
و (حَمِيمٌ) خبر عن اسم الإشارة. ومعنى الجملة في معنى بدل الاشتمال لأن شر المآب أو العذاب مشتمل على الحميم والغساق وغيره من شكله ، والمعنى : أن ذلك لهم لقوله : (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٥٥] فما فصل به شر المآب وعذاب جهنم فهو في المعنى معمول للام. والحميم : الماء الشديد الحرارة.
والغساق : قرأه الجمهور بتخفيف السين. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بتشديدها. قيل هما لغتان وقيل : غسّاق بالتشديد مبالغة في غاسق بمعنى سائل ، فهو على هذا وصف لموصوف محذوف وليس اسما لأن الأسماء التي على زنة فعّال قليلة في كلامهم.