(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩))
ابتداء كلام حكي به تخاصم المشركين في النار فيما بينهم إذا دخلوها كما دل عليه قوله تعالى في آخره : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤] ، وبه فسر قتادة وابن زيد ، وجريانه بينهم ليزدادوا مقتا بأن يضاف إلى عذابهم الجسماني عذاب أنفسهم برجوع بعضهم على بعض بالتنديم وسوء المعاملة.
وأسلوب الكلام يقتضي متكلما صادرا منه ، وأسلوب المقاولة يقتضي أن المتكلم به هم الطاغون الذين لهم شر المآب لأنهم أساس هذه القضية. فالتقدير : يقولون ، أي الطاغون بعضهم لبعض : هذا فوج مقتحم معكم ، أي يقولون مشيرين إلى فوج من أهل النار أقحم فيهم ليسوا من أكفائهم ولا من طبقتهم وهم فوج الأتباع من المشركين الذين اتبعوا الطاغين في الحياة الدنيا ، وذلك ما دل عليه قوله : (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) [ص : ٦٠] أي أنتم سبب إحضار هذا العذاب لنا. وهو الموافق لمعنى نظائره في القرآن كقوله تعالى : (لَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨] إلى قوله : (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) في سورة الأعراف [٣٩] ، وقوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) في سورة البقرة [١٦٦] ، وقوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) الآيات من سورة الصافات [٢٧]. وأوضح من ذلك كله قوله تعالى في آخر هذه الآية (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤].
فجملة القول المحذوف في موضع الحال من الطّاغين. وجملة (هذا فَوْجٌ) إلى آخرها مقول القول المحذوف.
والفوج : الجماعة العظيمة من الناس ، وتقدم في قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) في سورة النمل [٨٣].
والاقتحام : الدخول في الناس ، و (مع) مؤذنة بأن المتكلمين متبوعون ، وأن الفوج المقتحم أتباع لهم ، فأدخلوا فيهم مدخل التابع مع المتبوع بعلامات تشعر بذلك.
وجملة : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) معترضة مستأنفة لإنشاء ذم الفوج. و (لا مَرْحَباً) نفي لكلمة يقولها المزور لزائره وهي إنشاء دعاء الوافد. و (مَرْحَباً) مصدر بوزن المفعل ، وهو الرّحب بضم الراء وهو منصوب بفعل محذوف دل عليه معنى الرحب ، أي أتيت رحبا ، أي مكانا ذا رحب ، فإذا أرادوا كراهية الوافد والدعاء عليه قالوا : لا مرحبا به ، كأنهم أرادوا النفي بمجموع الكلمة :