لا مرحبا بغد ولا أهلا به |
|
إن كان تفريق الأحبة في غد |
وذلك كما يقولون في المدح : حبّذا ، فإذا أرادوا ذمّا قالوا : لا حبّذا. وقد جمعهما قول كنزة أمّ شملة المنقري تهجو فيه صاحبة ذي الرمة :
ألا حبّذا أهل الملإ غير أنه |
|
إذا ذكرت ميّ فلا حبّذا هيا |
ومعنى الرحب في هذا كله : السعة المجازية ، وهي الفرح ولقاء المرغوب في ذلك المكان بقرينة أن نفس السعة لا تفيد الزائد ، وإنما قالوا ذلك لأنهم كرهوا أن يكونوا هم وأتباعهم في مكان واحد جريا على خلق جاهليتهم من الكبرياء واحتقار الضعفاء.
وجملة (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) خبر ثان عن اسم الإشارة ، والخبر مستعمل في التضجّر منهم ، أي أنهم مضايقوننا في مضيق النار كما أومأ إليه قولهم : (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ).
(قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠))
فسمعهم الأتباع فيقولون : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) إضرابا عن كلامهم. وجيء بحكاية قولهم على طريقة المحاورات فلذلك جرّد من حرف العطف ، أي أنتم أولى بالشتم والكراهية بأن يقال : لا مرحبا بكم ، لأنكم الذين تسببتم لأنفسكم ولنا في هذا العذاب بإغرائكم إيانا على التكذيب والدوام على الكفر. و (بَلْ) للإضراب الإبطالي لردّ الشتم عليهم وأنهم أولى به منهم.
وذكر ضمير المخاطبين في قوله : (أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) للتنصل من شتمهم ، أي أنتم المشتومون ، أي أولى بالشتم منا ، وقد استفيد هذا المعنى من حرف الإبطال لا من الضمير لأن الضمير لا مفهوم له ولأن موقعه هنا لا يقتضي حصرا ولا تقوّيا لأنه مخبر عنه بجملة إنشائية ، أي أنتم يقال لكم : لا مرحبا بكم.
وإذا قد كان قول : مرحبا ، إنشاء دعاء بالخير ، وكان نفيه إنشاء دعاء بضده ، كان قوله «بهم» بيانا لمن وجّه الدعاء لهم ، أي إيضاحا للسامع أن الدعاء على أصحاب الضمير المجرور بالباء فكانت الباء فيه للتبيين. قال في «الكشاف» : و «بهم» بيان لمدعوّ عليهم. وقال الهمذاني في شرحه «للكشاف» : يعني : البيان المصطلح ، كأن قائلا يقول : بمن يحصل هذا الرحب؟ فيقول : بهم. وهذا كما في (هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣]. يعني أن الباء فيه بمعنى لام التبيين. وهذا المعنى أغفله ابن هشام في معاني الباء. وأشار الهمذاني إلى