ولا تلتبس حكاية هذا القول على هذه الكيفية بحكاية المحاورات فيحسب أنه من كلام الفريق الآخر لأن الدعاء بعنوان (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) يعين أن قائليه هم القائلون (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) [ص : ٦٠] ، وأن الذين قدّموا لهم هم الطاغون. وفي معنى هذه الآية آية سورة الأعراف [٣٨](قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ).
و (مَنْ) في قوله : (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) موصولة ، وجملة (فَزِدْهُ) خبر عن (مَنْ) ، واقتران الخبر بالفاء جرى على معاملة الموصول معاملة الشرط في قرن خبره بالفاء وهو كثير ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) في سورة براءة [٣٤].
والضعف ، بكسر الضاد : يستعمل اسم مصدر ضعّف وضاعف ، فهو اسم التضعيف والمضاعفة ، أي تكرير المقدار وتكرير القوة ، وهو من الألفاظ المتضايفة المعاني كالنصف والزوج.
ويستعمل اسما بمعنى الشيء المضاعف ، وهذا هو قياس زنة فعل بكسر الفاء وسكون العين ، فهو بمعنى : الشيء الذي ضوعف لأن زنة فعل تدلّ على ما سلط عليه فعل نحو ذبح ، أي مذبوح.
[٦٢ ـ ٦٣] (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣))
عطف على (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) [ص : ٥٩] على ما قدّر فيه من فعل قول محذوف كما تقدم ، فهذا من قول الطاغين فإنهم الذين كانوا يحقّرون المسلمين.
والاستفهام في (ما لَنا لا نَرى رِجالاً) استفهام يلقيه بعضهم لبعض تلهّفا على عدم رؤيتهم من عرفوهم من المسلمين مكنّى به عن ملام بعضهم لبعض على تحقيرهم المسلمين واعترافهم بالخطإ في حسبانهم. فليس الاستفهام عن عدم رؤيتهم المسلمين في جهنم استفهاما حقيقيا ناشئا عن ظن أنهم يجدون رجال المسلمين معهم إذ لا يخطر ببال الطاغين أن يكون رجال المسلمين معهم ، كيف وهم يعلمون أنهم بضد حالهم فلا يتوهمونهم معهم في العذاب ، ويجوز أن يكون الاستفهام حقيقيا استفهموا عن مصير المسلمين لأنهم لم يروهم يومئذ ، إذ قد علموا أن الناس صاروا إلى عالم آخر وهو الذي كانوا ينذرون به ، ويكون قولهم : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً) إلخ تمهيدا لقولهم : (أَتَّخَذْناهُمْ