والإشارة إلى ما حكي عنهم من المقاولة. وسميت المقاولة تخاصما ، أي تجادلا وإن لم تقع بينهم مجادلة ، فإن الطاغين لم يجيبوا الفوج على قوله : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) [ص : ٦٠] ، ولكن لمّا اشتملت المقاولة على ما هو أشد من الجدال وهو قول كل فريق للآخر (لا مَرْحَباً بِكُمْ) كان الذم أشد من المخاصمة فأطلق عليه اسم التخاصم حقيقة. وتقدم ذكر الخصام عند قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ) في سورة الحج [١٩].
وأضيف هذا التخاصم إلى أهل النار كلهم اعتبارا بغالب أهلها لأن غالب أهل النار أهل الضلالات الاعتقادية وهم لا يعدون أن يكونوا دعاة للضلال أو أتباعا للدعاة إليه فكلهم يجري بينهم هذا التخاصم ، أما من كان في النار من العصاة فكثير منهم ليس عصيانه إلا تبعا لهواه مع كونه على علم بأن ما يأتيه ضلالة لم يسوّله له أحد.
و (أَهْلِ النَّارِ) هم الخالدون فيها ، كقولهم : أهل قرية كذا ، فإنه لا يشمل المغترب بينهم ، على أن وقت نزول هذه الآية لم يكن في مكة غير المسلمين الصالحين وغير المشركين ، فوصف أهل النار يومئذ لا يتحقق إلا في المشركين دون عصاة المسلمين. وقوله : (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) إمّا خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هو تخاصم أهل النار ، والجملة استئناف لزيادة بيان مدلول اسم الإشارة ، أو هو مرفوع على أنه خبر ثان عن (إِنَ) ، أو على أنه بدل من (لَحَقٌ).
[٦٥ ـ ٦٦] (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦))
هذا راجع إلى قوله : (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) [ص : ٤] إلى قوله : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [ص : ٨] ، فلما ابتدرهم الجواب عن ذلك التكذيب بأن نظّر حالهم بحال الأمم المكذبة من قبلهم ولتنظير حال الرسول صلىاللهعليهوسلم بحال الأنبياء الذين صبروا ، واستوعب ذلك بما فيه مقنع عاد الكلام إلى تحقيق مقام الرسول صلىاللهعليهوسلم من قومه فأمره الله أن يقول : (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) مقابل قولهم : (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) ، وأن يقول : (ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) مقابل إنكارهم التوحيد كقولهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً)[ص : ٥] فالجملة استئناف ابتدائي. وذكر صفة الواحد تأكيد لمدلول (ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) إماء إلى رد إنكارهم. وذكر صفة (الْقَهَّارُ) تعريض بتهديد المشركين بأن الله قادر على قهرهم ، أي غلبهم. وتقدم الكلام على القهر عند قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) في سورة الأنعام [١٨].