واتباع ذلك بصفة (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) تصريح بعموم ربوبيته وأنه لا شريك له في شيء منها. ووصف (الْعَزِيزُ) تمهيد للوصف ب (الْغَفَّارُ) ، أي الغفّار عن عزّة ومقدرة لا عن عجز وملق أو مراعاة جانب مساو. والمقصود من وصف (الْغَفَّارُ) هنا استدعاء المشركين إلى التوحيد بعد تهديدهم بمفاد وصف (الْقَهَّارُ) لكي لا ييأسوا من قبول التوبة بسبب كثرة ما سيق إليهم من الوعيد جريا على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب والعكس.
[٦٧ ـ ٧٠] (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠))
إعادة الأمر بالقول هنا مستأنفا. والعدول عن الإتيان بحرف يعطف المقول أعني (هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) على المقول السابق أعني (أَنَا مُنْذِرٌ) [ص : ٦٥] ، عدول يشعر بالاهتمام بالمقول هنا كيلا يؤتى به تابعا لمقول آخر فيضعف تصدي السامعين لوعيه.
وجملة (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) يجوز أن تكون في موقع الاستئناف الابتدائي انتقالا من غرض وصف أحوال أهل المحشر إلى غرض قصة خلق آدم وشقاء الشيطان ، فيكون ضمير (هُوَ) ضمير شأن يفسره ما بعده وما يبيّن به ما بعده من قوله : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [ص : ٧١] جعل هذا كالمقدمة للقصة تشويقا لتلقّيها فيكون المراد بالنبإ نبأ خلق آدم وما جرى بعده ، ويكون ضمير (يَخْتَصِمُونَ) عائدا إلى الملأ الأعلى لأن الملأ جماعة. ويراد بالاختصام الاختلاف الذي جرى بين الشيطان وبين من بلّغ إليه من الملائكة أمر الله بالسجود لآدم ، فالملائكة هم الملأ الأعلى وكان الشيطان بينهم فعدّ منهم قبل أن يطرد من السماء.
ويجوز أن تكون جملة (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) إلخ تذييلا للذي سبق من قوله : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : ٤٩] إلى هنا ، تذييلا يشعر بالتنويه به وبطلب الإقبال على التدبر فيه والاعتبار به. وعليه يكون ضمير (هُوَ) ضميرا عائدا إلى الكلام السابق على تأويله بالمذكور فلذلك أتي لتعريفه بضمير المفرد.
والمراد بالنبإ : خبر الحشر وما أعد فيه للمتقين من حسن مآب ، وللطاغين من شر مآب ، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض ، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب ، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يعدّونهم من