الأشرار. ووصف النبأ ب (عَظِيمٌ) تهويل على نحو قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) [النبأ : ١ ـ ٣]. وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قوله : (فَسادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال : ٧٣] ، فتم الكلام عند قوله تعالى : (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ).
فتكون جملة (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) إلى قوله : (نَذِيرٌ مُبِينٌ) استئنافا للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولو لا أنه وحي لما كان للرسولصلىاللهعليهوسلم قبل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران : ٤٤] ، ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن.
وتكون جملة (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) [ص : ٧١] إلى آخره استئنافا ابتدائيا.
وعلى هذا فضمير (يَخْتَصِمُونَ) عائد إلى أهل النار من قوله : (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤] إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى. والمعنى : ما كان لي من علم بعالم الغيب وما يجري فيه من الإخبار بما سيكون إذ يختصم أهل النار في النار يوم القيامة.
وعلى كلا التفسيرين فمعنى (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ، أنهم غافلون عن العلم به فقد أعلموا بالنبإ بمعناه الأول وسيعلمون قريبا بالنبإ بمعناه الثاني.
وجيء بالجملة الاسمية في قوله : (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) لإفادة إثبات إعراضهم وتمكنه منهم ، فأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الأول فظاهر تمكنه من نفوسهم لأنه طالما أنذرهم بعذاب الآخرة ووصفه فلم يكترثوا بذلك ولا ارعووا عن كفرهم. وأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الثاني ، فتأويل تمكنه من نفوسهم عدم استعدادهم للاعتبار بمغزاه من تحقق أن ما هم فيه هو وسوسة من الشيطان قصدا للشّرّ بهم.
ولعل هذه الآية من هذه السورة هي أول ما نزل على النبي صلىاللهعليهوسلم من ذكر قصة خلق آدم وسجود الملائكة وإباء إبليس من السجود ، فإن هذه السورة في ترتيب نزول سور القرآن لا يوجد ذكر قصة آدم في سورة نزلت قبلها. فذلك وجه التوطئة للقصة بأساليب العناية والاهتمام مما خلا غيرها عن مثله وبأنها نبأ كانوا معرضين عنه. وأيّا ما كان فقوله : (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) توبيخ لهم وتحميق.
وجملة (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) اعتراض إبلاغ في