إلى فتحة لتفيد معنى مصدريا مشربا ب (أن) المصدرية إشرابا بديعا جعل شعاره فتح همزتها لتشابه (أن) المصدرية في فتح الهمزة وتشابه (أنّ) في تشديد النون ، وهذا من دقيق الوضع في اللغة العربية. وتكون (أَنَّما) مفتوحة الهمزة إذا جعلت معمولة لعامل في الكلام. والذي يقتضيه مقام الكلام هنا أن فتح همزة (أَنَّما) لأجل لام تعليل مقدرة مجرور بها (أَنَّما). والتقدير : إلّا لأنما أنا نذير ، أي إلا لعلّة الإنذار ، أي ما أوحي إلي نبأ الملأ الأعلى إلا لأنذركم به ، أي ليس لمجرد القصص.
فالاستثناء من علل ، وقد نزّل فعل (يُوحى) منزلة اللازم ، أي ما يوحى إلي وحي فلا يقدّر له مفعول لقلة جدواه وإيثار جدوى تعليل الوحي.
وبهذا التقدير تكمل المناسبة بين موقع هذه الجملة وموقع جملة (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) المبيّنة بها جملة (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ، إذ لا مناسبة لو جعل (أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) مستثنى من نائب فاعل الوحي بأن يقدر : إن يوحى إليّ شيء إلا أنما أنا نذير مبين ، أي ما يوحى إليّ شيء إلا كوني نذيرا ، وإن كان ذلك التقدير قد يسبق إلى الوهم لكنه بالتأمل يتّضح رجحان تقدير العلة عليه.
فأفادت جملة (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) حصر حكمة ما يأتيه من الوحي في حصول الإنذار وحصر صفة الرسول صلىاللهعليهوسلم في صفة النذارة ، ويستلزم هذان الحصران حصرا ثالثا ، وهو أن إخبار القرآن وحي من الله وليست أساطير الأولين كما زعموا. فحصل في هذه الجملة ثلاثة حصور : اثنان منها بصريح اللفظ ، والثالث بكناية الكلام ، وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) [القصص : ٤٦]. وهذه الحصور : اثنان منها إضافيان ، وهما قصر ما يوحى إليه على علة النذارة وقصر الرسول صلىاللهعليهوسلم على صفة النذارة ، وكلاهما قلب لاعتقادهم أنهم يسمعون القرآن ليتخذوه لعبا واعتقادهم أن الرسولصلىاللهعليهوسلم ساحر أو مجنون. وعلم من هذا أن ذكر نبأ خلق آدم قصد به الإنذار من كيد الشيطان. وقرأ أبو جعفر إلا إنما بكسر همزة إنما على تقدير القول ، أي ما يوحى إلا هذا الكلام.
[٧١ ـ ٧٤] (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ