والعزة : القهر والسلطان ، وعزة الله هي العزة الكاملة التي لا تختل حقيقتها ولا يتخلف سلطانها ، وقسم إبليس بها ناشئ عن علمه بأنه لا يستطيع الإغواء إلا لأن الله أقدره ولو لا ذلك لم يستطع نقض قدرة الله تعالى.
وتقدم تفسير نظير : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) في سورة [الحجر : ٤٠].
[٨٤ ـ ٨٥] (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥))
أي قال الله تعالى تفريعا ، وهذا التفريع نظير التفريع في قوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٢].
وقوبل تأكيد عزمه الذي دل عليه قوله (فَبِعِزَّتِكَ) [ص : ٨٢] بتأكيد مثله ، وهو لفظ (فَالْحَقُ) الدال على أن ما بعده حق ثابت لا يتخلف ، ولم يزد في تأكيد الخبر على لفظ (فَالْحَقُ) تذكيرا بأن وعد الله تعالى حق لا يحتاج إلى قسم عليه ترفعا من جلال الله عن أن يقابل كلام الشيطان بقسم مثله. ولذلك زاد هذا المعنى تقريرا بالجملة المعترضة وهي (وَالْحَقَّ أَقُولُ) الذي هو بمعنى : لا أقول إلا الحق ، ولا حاجة إلى القسم.
وقرأ الجمهور : (فَالْحَقُ) بالنصب وانتصابه على المفعولية المطلقة بدلا عن فعل من لفظه محذوف تقديره : أحقّ ، أي أوجب وأحقّق. وأصله التنكير ، فتعريفه باللام تعريف الجنس كالتعريف في : أرسلها العراك ، فهو في حكم النكرة وإنما تعريفه حلية لفظية إشارة إلى ما يعرفه السامع من أن الحق ما هو وتقدم بيانه في أول الفاتحة.
وقرأه عاصم وحمزة بالرفع على أنه لمّا تعرف باللام غلبت عليه الاسمية فتنوسي كونه نائبا عن الفعل. وهذا الرفع إما على الابتداء ، أي فالحق قولي ، أو فالحق لأملأنّ جهنم إلخ ، على أن تكون جملة القسم قائمة مقام الخبر ، وإمّا على الخبرية ، أي فقولي الحقّ وتكون جملة (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) مفسر القول المحذوف ، ولا خلاف في نصب الحق من قوله : (وَالْحَقَّ أَقُولُ). وتقدم تفصيل ذلك في أول سورة الفاتحة.
وجملة (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ) إلخ مبيّنة لجملة (فَالْحَقُ) وهي مؤكدة بلام القسم والنون.