[٢٧ ـ ٣٢] (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢))
عطف على (مُسْتَسْلِمُونَ) [الصافات : ٢٦] أي استسلموا وعاد بعضهم على بعض باللائمة والمتسائلون : المتقاولون وهم زعماء أهل الشرك ودهماؤهم كما تبينه حكاية تحاورهم من قوله : (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) وقوله : (فَأَغْوَيْناكُمْ) إلخ.
وعبر عن إقبالهم بصيغة المضي وهو مما سيقع في القيامة ، تنبيها على تحقيق وقوعه لأن لذلك مزيد تأثير في تحذير زعمائهم من التغرير بهم ، وتحذير دهمائهم من الاغترار بتغريرهم ، مع أن قرينة الاستقبال ظاهرة من السياق من قوله : (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) [الصافات : ١٩] الآية.
والإقبال : المجيء من جهة قبل الشيء ، أي من جهة وجهه وهو مجيء المتجاهر بمجيئه غير المتختّل الخائف. واستعير هنا للقصد بالكلام والاهتمام به كأنه جاءه من مكان آخر.
فحاصل المعنى حكاية عتاب ولوم توجه به الذين اتبعوا على قادتهم وزعمائهم ، ودلالة التركيب عليه أن يكون الإتيان أطلق على الدعاية والخطابة فيهم لأن الإتيان يتضمن القصد دون إرادة مجيء ، كقول النابغة :
آتاك امرؤ مستبطن لي بغضة
وقد تقدم استعماله واستعمال مرادفه وهو المجيء معا في قوله تعالى : (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ* وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) الآية في سورة الحجر [٦٣ ، ٦٤]. أو أن يكون اليمين مرادا به جهة الخير لأن العرب تضيف الخير إلى جهة اليمين. وقد اشتقت من اليمن وهو البركة ، وهي مؤذنة بالفوز بالمطلوب عندهم. وعلى ذلك جرت عقائدهم في زجر الطير والوحش من التيمّن بالسانح ، وهو الوارد من جهة يمين السائر ، والتشاؤم ، أي ترقب ورود الشر من جهة الشمال.
وكان حقّ فعل (تَأْتُونَنا) أن يعدّى إلى جهة اليمين بحرف «من» فلما عدّي بحرف (عَنِ) الذي هو للمجاوزة تعين تضمين (تَأْتُونَنا) معنى «تصدوننا» ليلائم معنى المجاوزة ،