يقال : ماء معن ، فيكون (مَعِينٍ) بوزن فعيل مثال مبالغة من المعن وهو الإبعاد في الفعل شبّه جريه بالإبعاد في المشي ، وهذا أظهر في الاشتقاق. وقيل : ميمه زائدة وهو مشتق من عانه ، إذا أبصره لأنه يظهر على وجه الأرض في سيلانه فوزنه مفعول ، وأصله معيون فهو مشتق من اسم جامد وهو اسم العين ، وليس فعل عان مستعملا استغنوا عنه بفعل عاين.
و (بَيْضاءَ) صفة ل «كأس». وإذ قد أريد بالكأس الخمر الذي فيها كان وصف (بَيْضاءَ) للخمر. وإنما جرى تأنيث الوصف تبعا للتعبير عن الخمر بكلمة كأس ، على أن اسم الخمر يذكر ويؤنث وتأنيثها أكثر. روى مالك عن زيد بن أسلم : لونها مشرق حسن فهي لا كخمر الدنيا في منظرها الرديء من حمرة أو سواد.
واللذة : اسم معناه إدراك ملائم نفس المدرك ، يقال : لذّه ولذّ به ، والمصدر : اللذة واللذاذة. وفعله من باب فرح ، تقول : لذذت بالشيء ويقال : شيء لذّ ، أي لذيذ فهو وصف بالمصدر فإذا جاء بهاء التأنيث كما في هذه الآية فهو الاسم لا محالة لأن المصدر الوصف لا يؤنث بتأنيث موصوفه ، يقال : امرأة عدل ولا يقال : امرأة عدلة. ووصف الكأس بها كالوصف بالمصدر يفيد المبالغة في تمكن الوصف ، فقوله تعالى : (لَذَّةٍ) هو أقصى مما يؤدي شدة الالتذاذ بكلمة واحدة ، لأنه عدل به عن الوصف الأصلي لقصد المبالغة ، وعدل عن المصدر إلى الاسم لما في المصدر من معنى الاشتقاق.
وجملة (لا فِيها غَوْلٌ) صفة رابعة لكأس باعتبار إطلاقه على الخمر.
والغول ، بفتح الغين : ما يعتري شارب الخمر من الصداع والألم ، اشتق من الغول مصدر غاله ، إذا أهلكه. وهذا في معنى قوله تعالى : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها)[الواقعة : ١٩].
وتقديم الظرف المسند على المسند إليه لإفادة التخصيص ، أي هو منتف عن خمر الجنة فقط دون ما يعرف من خمر الدنيا ، فهو قصر قلب. ووقوع (غَوْلٌ) وهو نكرة بعد (لا) النافية أفاد انتفاء هذا الجنس من أصله ، ووجب رفعه لوقوع الفصل بينه وبين حرف النفي بالخبر.
وجملة (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) معطوفة على جملة (لا فِيها غَوْلٌ).
وقدّم المسند عليه على المسند ، والمسند فعل ليفيد التقديم تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي ، أي بخلاف شاربي الخمر من أهل الدنيا.
و (يُنْزَفُونَ) مبني للمجهول في قراءة الجمهور يقال : نزف الشارب ، بالبناء