والمراد : المشركون من أهل مكة الذين قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢].
وفي قوله : (أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) إيماء إلى أن ضلالهم لا يخفى عن الناظر فيه لو تركوا على الفطرة العقلية ولم يغشوها بغشاوة العناد.
والفاء الداخلة على جملة (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) فاء العطف للتفريع والتسبب ، أي متفرّع على إلفائهم آباءهم ضالّين أن اقتفوا آثارهم تقليدا بلا تأمل ، وهذا ذمّ لهم.
والآثار : ما تتركه خطى الماشين من موطئ الأقدام فيعلم السائر بعدهم أن مواقعها مسلوكة موصلة إلى معمور ، فمعنى (عَلى) الاستعلاء التقريبي ، وهو معنى المعية لأنهم يسيرون معها ولا يلزم أن يكونوا معتلين عليها.
و (يُهْرَعُونَ) بفتح الراء مبنيّا للمجهول مضارع : أهرعه ، إذا جعله هارعا ، أي حمله على الهرع وهو الإسراع المفرط في السير ، عبر به عن المتابعة دون تأمل ، فشبه قبول الاعتقاد بدون تأمل بمتابعة السائر متابعة سريعة لقصد الالتحاق به.
وأسند إلى المجهول للدلالة على أن ذلك ناشئ عن تلقين زعمائهم وتعاليم المضلّلين ، فكأنهم مدفوعون إلى الهرع في آثار آبائهم فيحصل من قوله : (يُهْرَعُونَ) تشبيه حال الكفرة بحال من يزجى ويدفع إلى السير وهو لا يعلم إلى أين يسار به.
[٧١ ـ ٧٤] (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))
عقّب وصف حال المشركين في الآخرة وما علّل به من أنهم ألفوا آباءهم ضالّين فاتبعوا آباءهم بتنظيرهم بمن سلفوا من الضالّين وتذكيرا للرسول صلىاللهعليهوسلم بذلك مسلاة له على ما يلاقيه من تكذيبهم ، واستقصاء لهم في العبرة والموعظة بما حلّ بالأمم قبلهم ، فهذه الجملة معطوفة على مضمون الجملة التي قبلها إكمالا للتعليل ، أي اتبعوا آثار آبائهم واقتدوا بالأمم أشياعهم.
ووصف الذين ضلّوا قبلهم بأنهم (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) لئلا يغترّ ضعفاء العقول بكثرة المشركين ولا يعتزّوا بها ، ليعلموا أن كثرة العدد لا تبرّر ضلال الضالّين ولا خطأ المخطئين ، وأن الهدى والضلال ليسا من آثار العدد كثرة وقلة ولكنهما حقيقتان ثابتتان مستقلتان فإذا عرضت لإحداهما كثرة أو قلة فلا تكونان فتنة لقصار الأنظار وضعفاء