التفكير. قال تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة : ١٠٠].
وأكملت العلة والتسلية والعبرة بقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أي رسلا ينذرونهم ، أي يحذرونهم ما سيحل بهم مثل ما أرسلناك إلى هؤلاء. وخصّ المرسلين بوصف المنذرين لمناسبة حال المتحدث عنهم وأمثالهم. وضمير (فِيهِمْ) راجع إلى (الْأَوَّلِينَ) ، أي أرسلنا في الأول منذرين فاهتدى قليل وضلّ أكثرهم.
وفرّع على هذا التوجيه الخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ترشيحا لما في الكلام السابق من جانب التسلية والتثبيت مع التعريض بالكلام لتهديد المشركين بذلك ، ويجوز أن يكون الخطاب لكل من يسمع القرآن فشمل النبي صلىاللهعليهوسلم.
والأمر بالنظر مستعمل في التعجيب والتهويل فإن أريد بالعاقبة عاقبتهم في الدنيا فالنظر بصريّ ، وإن أريد عاقبتهم في الآخرة كما يقتضيه السياق فالنظر قلبي ، ولا مانع من إرادة الأمرين واستعمال المشترك في المعنيين.
والتعريف في قوله : (الْمُنْذَرِينَ) تعريف العهد ، وهم المنذرون الذين أرسل إليهم المنذرون ، أي فهم الضالّون المعبر عنهم بأنهم (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ). فالمعنى : فانظر كيف كان عاقبة الضالّين الذين أنذرناهم فلم ينتذروا كما فعل هؤلاء الذين ألفوا آباءهم ضالّين فاتبعوهم ، فقد تحقق اشتراك هؤلاء وأولئك في الضلال ، فلا جرم أن تكون عاقبة هؤلاء كعاقبة أولئك. وفعل النظر معلق عن معموله بالاستفهام ، والاستفهام تعجيبي للتفظيع.
واستثني (عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) من (الْأَوَّلِينَ) استثناء متّصلا فإن عباد الله المخلصين كانوا من جملة المنذرين فصدّقوا المنذرين ولم يشاركوا المنذرين في عاقبتهم المنظور فيها وهي عاقبة السوء. وتقدم اختلاف القراء في فتح اللام وكسرها من قوله : (الْمُخْلَصِينَ) عند قوله تعالى : (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [الصافات : ٣٩ ـ ٤٠].
[٧٥ ـ ٨٢] (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) ِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢))