اطلعت ، والوجه أن يتعلق (عَلَيْهِ) بفعل (تَرَكْنا) بتضمين هذا الفعل معنى (أنعمنا) فكان مقتضى الظاهر أن يعدّى هذا الفعل باللام ، فلما ضمّن معنى أنعمنا أفاد بمادته معنى الإبقاء له ، أي إعطاء شيء من الفضائل المدخرة التي يشبه إعطاؤها ترك أحد متاعا نفيسا لمن يخليه هو له ويخلفه فيه. وأفاد بتعليق حرف (على) به أن هذا الترك من قبيل الإنعام والتفضيل ، وكذلك شأن التضمين أن يفيد المضمّن مفاد كلمتين فهو من ألطف الإيجاز. ثم إن مفعول (تَرَكْنا) لما كان محذوفا وكان فعل (أنعمنا) الذي ضمّنه فعل (تَرَكْنا) مما يحتاج إلى متعلق معنى المفعول ، كان محذوفا أيضا مع عامله فكان التقدير : وتركنا له ثناء وأنعمنا عليه ، فحصل في قوله : (تَرَكْنا عَلَيْهِ) حذف خمس كلمات وهو إيجاز بديع. ولذلك قدر جمهور المتقدمين من المفسرين (وَتَرَكْنا) ثناء حسنا عليه.
وجملة (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) إنشاء ثناء الله على نوح وتحية له ومعناه لازم التحية وهو الرضى والتقريب ، وهو نعمة سادسة. وتنوين (سَلامٌ) للتعظيم ولذلك شاع الابتداء بالنكرة لأنها كالموصوف.
والمراد بالعالمين : الأمم والقرون وهو كناية عن دوام السلام عليه كقوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ١٥] في حق عيسى عليهالسلام وكقوله : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [الصافات : ١٣٠](سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [الصافات : ١٠٩].
وفي (الْعالَمِينَ) حال فهو ظرف مستقر أو خبر ثان عن (سَلامٌ).
وذهب الكسائي والفراء والمبرد والزمخشري إلى أن قوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) في محلّ مفعول (تَرَكْنا) ، أي تركنا عليه هذه الكلمة وهي (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) وهو من الكلام الذي قصدت حكايته كما تقول قرأت (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) [النور : ١] ، أي جعلنا الناس يسلمون عليه في جميع الأجيال ، فما ذكروه إلا قالوا : عليهالسلام. ومثل ذلك قالوا في نظائرها في هذه الآيات المتعاقبة.
وزيد في سلام نوح في هذه السورة وصفه بأنه في العالمين دون السلام على غيره في قصة إبراهيم وموسى وهارون وإلياس للإشارة إلى أن التنويه بنوح كان سائرا في جميع الأمم لأنهم كلهم ينتمون إليه ويذكرونه ذكر صدق كما قدمناه آنفا.
وجملة (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تذييل لما سبق من كرامة الله نوحا. و (إنّ)