وفعل الظن إذا عدّي بالباء أشعر غالبا بظن صادق قال تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠] وقال : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) [فصلت : ٢٣]. ومنه إطلاق الظنين على المتهم فإن أصله : ظنين به ، فحذفت الباء ووصل الوصف ، وذلك أنه إذا عدي بالباء فالأكثر حذف مفعوله وكانت الباء للإلصاق المجازي ، أي ظن ظنا ملصقا بالله ، أي مدّعى تعلقه بالله وإنما يناسب ذلك ما ليس لائقا بالله. وتقدمت الإشارة إليه عند قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) في سورة الأحزاب [١٠].
والمعنى : فما ظنكم السيّئ بالله ، ولما كان الظن من أفعال القلب فتعديته إلى اسم الذات دون اتباع الاسم بوصف متعينة لتقدير وصف مناسب. وقد حذف المتعلق هنا لقصد التوسع في تقدير المحذوف بكل احتمال مناسب تكثيرا للمعاني فيجوز أن تعتبر من ذات ربّ العالمين أوصافه. ويجوز أن يعتبر منها الكنه والحقيقة ، فاعتبار الوصف على وجهين :
أحدهما : المعنى المشتق منه الرب وهو الربوبية وهي تبليغ الشيء إلى كماله تدريجا ورفقا فإن المخلوق محتاج إلى البقاء والإمداد وذلك يوجب أن يشكر الممدّ فلا يصد عن عبادة ربه ، فيكون التقدير : فما ظنكم أن له شركاء وهو المنفرد باستحقاق الشكر المتمثل في العبادة لأنه الذي أمدكم بإنعامه.
وثانيهما : أن يعتبر فيه معنى المالكية وهي أحد معنيي الربّ وهو مستلزم لمعنى القهر والقدرة على المملوك ، فيكون التقدير : فما ظنكم ما ذا يفعل بكم من عقاب على كفرانه وهو مالككم ومالك العالمين.
وأما جواز اعتبار حقيقة رب العالمين وكنهه. فالتقدير فيه : فما ظنكم بكنه الربوبية فإنكم جاهلون الصفات التي تقتضيها وفي مقدمتها الوحدانية.
[٨٨ ـ ٩٦] (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦))
مفرع على جملة (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) [الصافات : ٨٥] تفريع قصص بعطف بعضها على بعض.
والمقصود من هذه الجمل المتعاطفة بالفاءات هو الإفضاء إلى قوله (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) وأما ما قبلها فتمهيد لها وبيان كيفية تمكنه من أصنامهم وكسرها ليظهر لعبدتها