وقد احتج الأشاعرة على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى بهذه الآية على أن تكون (ما) مصدرية أو تكون موصولة ، على أن المراد : ما تعملونه من الأعمال. وهو تمسك ضعيف لما في الآية من الاحتمالين ولأن المقام يرجح المعنى الذي ذكرناه إذ هو في مقام المحاجّة بأن الأصنام أنفسها مخلوقة لله فالأولى المصير إلى أدلة أخرى.
[٩٧ ـ ٩٨] (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨))
(الْجَحِيمِ) : النار الشديدة الوقود ، وكلّ نار على نار وجمر فوق جمر فهو جحيم.
وتقدمت هذه القصة ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء ، وعبر هنا ب (الْأَسْفَلِينَ) وهنالك ب (الْأَخْسَرِينَ) [الأنبياء : ٧٠] والأسفل هو المغلوب لأن الغالب يتخيل معتليا على المغلوب فهو استعارة للمغلوب ، والأخسر هنالك استعارة لمن لا يحصل من سعيه على بغيته.
[٩٩ ـ ١٠٠] (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠))
لما نجا إبراهيم من نارهم صمّم على الخروج من بلده (أور الكلدانيين).
وهذه أول هجرة في سبيل الله للبعد عن عبادة غير الله. والتوراة بعد أن طوت سبب أمر الله إياه بالخروج ذكر فيها أنه خرج قاصدا بلاد حران في أرض كنعان (وهي بلاد الفينيقيين).
والظاهر : أن هذا القول قاله علنا في قومه ليكفوا عن أذاه ، وكان الأمم الماضون يعدّون الجلاء من مقاطع الحقوق ، قال زهير :
وإن الحق مقطعه ثلاث |
|
يمين أو نفار أو جلاء |
ولذلك لما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالهجرة من مكة لم يتعرض له قريش في بادئ الأمر ثم خافوا أن تنتشر دعوته في الخارج فراموا اللحاق به فحبسهم الله عنه.
ويحتمل أن يكون قال ذلك في أهله الذين يريد أن يخرج بهم معه فمعنى (ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) مهاجر إلى حيث أعبد ربّي وحده ولا أعبد آلهة غيره ولا أفتن في عبادته كما فتنت في بلدهم.
ومراد الله أن يفضي إلى بلوغ مكة ليقيم هنالك أول مسجد لإعلان توحيد الله فسلك