ومما يدل على أنه سأل النسل ما جاء في سفر التكوين (الاصحاح الخامس عشر) «وقال أبرام إنك لم تعطني نسلا وهذا ابن بيتي (بمعنى مولاه) وارث لي (أنهم كانوا إذا مات عن غير نسل ورثه مواليه)». وكان عمر إبراهيم حين خرج من بلاده نحوا من سبعين سنة.
وقال في «الكشاف» : لفظ الهبة غلب في الولد. لعله يعني أن هذا اللفظ غلب في القرآن في الولد : ولا أحسبه غلب فيه في كلام العرب لأني لم أقف عليه وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) [مريم : ٥٣].
فحذف مفعول الفعل لدلالة الفعل عليه.
ووصفه بأنه من الصالحين لأن نعمة الولد تكون أكمل إذا كان صالحا فإن صلاح الأبناء قرة عين للآباء ، ومن صلاحهم برّهم بوالديهم.
[١٠١ ـ ١٠٢] (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢))
الفاء في (فَبَشَّرْناهُ) للتعقيب ، والبشارة : الإخبار بخير وارد عن قرب أو على بعد ؛ فإن كان الله بشّر إبراهيم بأنه يولد له ولد أو يوجد له نسل عقب دعائه كما هو الظاهر وهو صريح في سفر التكوين في الإصحاح الخامس عشر فقد أخبره بأنه استجاب له وأنه يهبه ولدا بعد زمان ، فالتعقيب على ظاهره ؛ وإن كان الله بشره بغلام بعد ذلك حين حملت منه هاجر جاريته بعد خروجه بمدة طويلة ، فالتعقيب نسبي ، أي بشرناه حين قدّرنا ذلك أول بشارة بغلام فصار التعقيب آئلا إلى المبادرة كما يقال : تزوج فولد له ؛ وعلى الاحتمالين فالغلام الذي بشر به هو الولد الأول الذي ولد له وهو إسماعيل لا محالة.
والحليم : الموصوف بالحلم وهو اسم يجمع أصالة الرأي ومكارم الأخلاق والرحمة بالمخلوق. قيل : ما نعت الله الأنبياء بأقلّ مما نعتهم بالحلم.
وهذا الغلام الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ابنه البكر وهذا غير الغلام الذي بشره به الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط في قوله تعالى : (قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) [الذاريات : ٢٨] فذلك وصف بأنه (عَلِيمٍ). وهذا وصف ب (حَلِيمٍ). وأيضا ذلك