واللام في (لِلْجَبِينِ) بمعنى (على) كقوله : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) [الإسراء : ١٠٧] ، وقوله تعالى : (دَعانا لِجَنْبِهِ) [يونس : ١٢] ، ومعناها أن مدخولها هو أسفل جزء من صاحبه.
والجبين : أحد جانبي الجبهة ، وللجبهة جبينان ، وليس الجبين هو الجبهة ولهذا خطّئوا المتنبي في قوله :
وخلّ زيّا لمن يحقّقه |
|
ما كل دام جبينه عابد |
وتبع المتنبي إطلاق العامة وهو خطأ ، وقد نبه على ذلك ابن قتيبة في «أدب الكتاب» ولم يتعقبه ابن السيّد البطليوسي في «الاقتضاب» ولكن الحريري لم يعدّه في «أوهام الخواصّ» فلعله أن يكون غفل عنه ، وذكر مرتضى في «تاج العروس» عن شيخه تصحيح إطلاق الجبين على الجبهة مجازا بعلاقة المجاورة ، وأنشد قول زهير :
يقيني بالجبين ومنكبيه |
|
وأدفعه بمطّرد الكعوب |
وزعم أن شارح ديوان زهير ذكر ذلك. وهذا لا يصح استعماله إلا عند قيام القرينة لأن المجاز إذا لم يكثر لا يستحق أن يعد في معاني الكلمة على أنا لا نسلم أن زهيرا أراد من الجبين الجبهة. ولم يذكر هذا في الأساس.
والمعنى : أنه ألقاه على الأرض على جانب بحيث يباشر جبينه الأرض من شدة الاتصال. ومناداة الله إبراهيم بطريق الوحي بإرسال الملك ، أسندت المناداة إلى الله تعالى لأنه الآمر بها.
وتصديق الرؤيا : تحقيقها في الخارج بأن يعمل صورة العمل الذي رآه يقال : رؤيا صادقة ، إذا حصل بعدها في الواقع ما يماثل صورة ما رآه الرائي قال الله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧]. وفي حديث عائشة : «أول ما بدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح». وبضد ذلك يقال : كذبت الرؤيا ، إذا حصل خلاف ما رأى. وفي الحديث : «إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن» ، فمعنى (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) قد فعلت مثل صورة ما رأيت في النوم أنك تفعله. وهذا ثناء من الله تعالى على إبراهيم بمبادرته لامتثال الأمر ولم يتأخر ولا سأل من الله نسخ ذلك.
والمراد : أنه صدق ما رآه إلى حدّ إمرار السكين على رقبة ابنه ، فلما ناداه جبريل بأن لا يذبحه كان ذلك الخطاب نسخا لما في الرؤيا من إيقاع الذبح ، وذلك جاء من قبل