الإنسان ، ولذلك اكتفي عن تعيين الممنون به لحمل الفعل على أكمل معناه. وجعلت منة من الله عليهما لأن موسى لم يسأل النبوءة إذ ليست النبوءة بمكتسبة وكانت منّة على هارون أيضا لأنه إنما سأل له موسى ذلك ولم يسأله هارون ، فهي منة عليه وإرضاء لموسى ، والمنة عليهما من قبيل إيصال المنافع فإن الله أرسل موسى لإنقاذ بني إسرائيل من استعباد القبط لإبراهيم وإسرائيل.
وفي اختلاف مبادئ القصص الثلاث إشارة إلى أن الله يغضب لأوليائه ؛ إما باستجابة دعوة ، وإما لجزاء على سلامة طوية وقلب سليم ، وإما لرحمة منه ومنّة على عباده المستضعفين. وإنجاء موسى وهارون وقومهما كرامة أخرى لهما ولقومهما بسببهما ، وهذه نعمة إزالة الضر ، فحصل لموسى وهارون نوعا الإنعام وهما : إعطاء المنافع ، ودفع المضار.
و (الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) : هو ما كانوا فيه من المذلة تحت سلطة الفراعنة ومن اتّباع فرعون إياهم في خروجهم حين تراءى الجمعان فقال أصحاب موسى (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء : ٦١] فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر فضربه فانفلق واجتاز منه بنو إسرائيل ، ثم مد البحر أمواجه على فرعون وجنده ، على أن الكرب العظيم أطلق على الغرق في قصة نوح السابقة وفي سورة الأنبياء على الأمم التي مرّوا ببلادها من العمالقة والأموريين فكان بنو إسرائيل منتصرين في كل موقعة قاتلوا فيها عن أمر موسى وما انهزموا إلا حين أقدموا على قتال العمالقة والكنعانيين في سهول وادي (شكول) لأن موسى نهاهم عن قتالهم هنالك كما هو مسطور في تاريخهم.
و (نَصَرْناهُمْ) من قوله : (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) ضمير فصل وهو يفيد قصرا ، أي هم الغالبين لغيرهم وغيرهم لم يغلبوهم ، أي لم يغلبوا ولو مرة واحدة فإن المنتصر قد ينتصر بعد أن يغلب في مواقع.
[١١٧ ـ ١٢٢] (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢))
(الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) : هو التوراة ، والمستبين القوي الوضوح ، فالسين والتاء للمبالغة يقال : استبان الشيء إذا ظهر ظهورا شديدا.