وتعدية فعل الإيتاء إلى ضمير موسى وهارون مع أن الذي أوتي التوراة هو موسى كما قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [المؤمنون : ٤٩] من حيث إن هارون كان معاضدا لموسى في رسالته فكان له حظ من إيتاء التوراة كما قال الله في الآية الأخرى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) [الأنبياء : ٤٨] وهذا من استعمال الإيتاء في معنييه الحقيقي والمجازي.
و (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : الدين الحق كما تقدم في سورة الفاتحة ، وقد كانت شريعة التوراة يوم أوتيها موسى عليهالسلام هي الصراط المستقيم فلمّا نسخت بالقرآن صار القرآن هو الصراط المستقيم للأبد وتعطل صراط التوراة. ويجوز أن يراد ب (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أصول الديانة التي لا تختلف فيها الشرائع وهي التوحيد وكليات الشرائع التي أشار إليها قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) إلى قوله : (وَمُوسى وَعِيسى) [الشورى : ١٣].
والقول في تفسير (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ) إلى آخر الآيات الأربع كالقول في نظائره عند ذكر نوح في هذه السورة ، إلا أن احتمال أن تكون جملة (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) مفعولا لفعل (تَرَكْنا عَلَيْهِما) على إرادة حكاية اللفظ هنا أضعف منه فيما تقدم إذ ليس يطرد أن يكون تسليم الآخرين على موسى وهارون معا لأن الذي ذكر موسى يقول : السلام على موسى والذي يجري على لسانه ذكر هارون يقول : السلام على هارون ولا يجمع اسميهما في السلام إلا الذي يجري على لسانه ذكرهما معا كما يقول المحدث عن جابر : رضياللهعنه ، ويقول عن عبد الله بن حرام رضياللهعنه فإذا قال : عن جابر بن عبد الله ، قال:رضياللهعنهما.
وفي ذكر قصة موسى وهارون عبرة مثل كامل للنبي صلىاللهعليهوسلم في رسالته وإنزال القرآن عليه وهدايته وانتشار دينه وسلطانه بعد خروجه من ديار المشركين.
[١٢٣ ـ ١٣٢] (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢))
أتبع الكلام على رسل ثلاثة أصحاب الشرائع : نوح وإبراهيم وموسى بالخبر عن