من أمر الله تعالى قال تعالى ، حكاية عنهم في هذه السورة (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ* وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [الصافات : ١٦٥ ، ١٦٦].
والزجر : الحث في نهي أو أمر بحيث لا يترك للمأمور تباطؤ في الإتيان بالمطلوب ، والمراد به : تسخير الملائكة المخلوقات التي أمرهم الله بتسخيرها خلقا أو فعلا ، كتكوين العناصر ، وتصريف الرياح ، وإزجاء السحاب إلى الآفاق.
و «التاليات ذكرا» المترددون لكلام الله تعالى الذي يتلقونه من جانب القدس لتبليغ بعضهم بعضا أو لتبليغه إلى الرسل كما أشار إليه قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ : ٢٣]. وبيّنه قول النبيصلىاللهعليهوسلم : «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنّه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم؟ قالوا : الذي قال الحق». والمراد ب «التاليات» ما يتلونه من تسبيح وتقديس لله تعالى لأن ذلك التسبيح لما كان ملقنا من لدن الله تعالى كان كلامهم بها تلاوة. والتلاوة : القراءة ، وتقدمت في قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) في البقرة [١٠٢] ، وقوله : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ) في [الأنفال : ٢].
والذكر ما يتذكر به من القرآن ونحوه ، وتقدم في قوله : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) في سورة الحجر [٦].
وما تفيده الفاء من ترتيب معطوفها يجوز أن يكون ترتيبا في الفضل بأن يراد أن الزجر وتلاوة الذكر أفضل من الصّف لأن الاصطفاف مقدمة لها ووسيلة والوسيلة دون المتوسّل إليه ، وأن تلاوة الذكر أفضل من الزجر باعتبار ما فيها من إصلاح المخلوقات المزجورة بتبليغ الشرائع إن كانت التلاوة تلاوة الوحي الموحى به للرسل ، أو بما تشتمل عليه التلاوة من تمجيد الله تعالى فإن الأعمال تتفاضل تارة بتفاضل متعلقاتها.
وقد جعل الله الملائكة قسما وسطا من أقسام الموجودات الثلاثة باعتبار التأثير والتأثر. فأعظم الأقسام المؤثر الذي لا يتأثر وهو واجب الوجود سبحانه ، وأدناها المتأثر الذي لا يؤثر وهو سائر الأجسام ، والمتوسط الذي يؤثر ويتأثر وهذا هو قسم المجرّدات من الملائكة والأرواح فهي قابلة للأثر عن عالم الكبرياء الإلهية وهي تباشر التأثير في عالم الأجسام. وجهة قابليتها الأثر من عالم الكبرياء مغايرة لجهة تأثيرها في عالم الأجسام وتصرفها فيها ، فقوله : (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) إشارة إلى تأثيرها ، وقوله : (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً)