أن بعض الأصحاب يدعي أن مركبا فيه مسلمون وكفار أشرف على الغرق وأرادوا أن يرموا بعضهم إلى البحر ليخفّ المركب فينجو بعضهم ويسلم المركب فقالوا : نقترع فمن وقعت القرعة عليه ألقيناه. فنظر رئيس المركب إليهم وهم جالسون على هذه الصورة فقال : ليس هذا حكما مرضيا وإنما نعدّ الجماعة فمن كان تاسعا ألقيناه فارتضوا بذلك فلم يزل يعدهم ويلقي التاسع فالتاسع إلى أن ألقى الكفار وسلم المسلمون وهذه صورة ذلك (وصوّر دائرة فيها علامات حمر وعلامات سود ، فالحمر للمسلمين ومنهم ابتداء العدّ وهو إلى جهة الشمال) قال : ولقد ذكرتها لنور الدين علي بن إسماعيل الصفدي فأعجبته وقال : كيف أصنع بحفظ هذا الترتيب فقلت له : الضابط في هذا البيت تجعل حروفه المعجمة للكفار والمهملة للمسلمين وهو :
الله يقضي بكل يسر |
|
ويرزق الضيف حين كانا ا. ه |
وكانت القرعة طريقا من طرق القضاء عند التباس الحق أو عند استواء عدد في استحقاق شيء. وقد تقدم في سورة آل عمران [٤٤] عند قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) وهي طريقة إقناعية كان البشر يصيرون إليها لفصل التنازع يزعمون أنها دالة على إرادة الله تعالى عند الأمم المتدينة ، أو إرادة الأصنام عند الأمم التي تعبد الأصنام تمييز صاحب الحق عند التنازع. ولعلها من مخترعات الكهنة وسدنة الأصنام. فلما شاعت في البشر أقرتها الشرائع لما فيها من قطع الخصام والقتال ، ولكن الشرائع الحقّ لما أقرتها اقتصدت في استعمالها بحيث لا يصار إليها إلا عند التساوي في الحقّ وفقدان المرجّح ، الذي هو مؤثر في نوع ما يختلفون فيه ، فهي من بقايا الأوهام. وقد اقتصرت الشريعة الإسلامية في اعتبارها على أقل ما تعتبر فيه. مثل تعيين أحد الأقسام المتساوية لأحد المتقاسمين إذ تشاحوا في أحدها ، قال ابن رشد في «المقدمات» : «والقرعة إنما جعلت تطييبا لأنفس المتقاسمين وأصلها قائم في كتاب الله لقوله تعالى في قصة يونس : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ).
وعندي : أن ليس في الآية دليل على مشروعية القرعة في الفصل بين المتساويين لأنها لم تحك شرعا صحيحا كان قبل الإسلام إذ لا يعرف دين أهل السفينة الذين أجروا الاستهام على يونس ، على أن ما أجري الاستهام عليه قد أجمع المسلمون على أنه لا يجري في مثله استهام. فلو صح أن ذلك كان شرعا لمن قبلنا فقد نسخه إجماع علماء أمتنا.
قال ابن العربي : الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز فكيف المسلم فإنه لا