سوء قال تعالى : (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [الصافات : ٥٧] ولذلك حذف متعلّق «محضرون» ، فأما الإتيان بأحد لإكرامه فيطلق عليه المجيء. والمعنى : أن الجن تعلم كذب المشركين في ذلك كذبا فاحشا يجازون عليه بالإحضار للعذاب ، فجعل «محضرون» كناية عن كذبهم لأنهم لو كانوا صادقين ما عذبوا على قولهم ذلك. وظاهره أن هذا العلم حاصل للجن فيما مضى ، ولعل ذلك حصل لهم من زمان تمكنهم من استراق السمع. ويجوز أن يكون من استعمال الماضي في موضع المستقبل لتحقيق وقوعه مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، أي ستعلم الجنة ذلك يوم القيامة. والمقصود : أنهم يتحققون ذلك ولا يستطيعون دفع العذاب عنهم فقد كانوا يعبدون الجن لاعتقاد وجاهتهم عند الله بالصهر الذي لهم.
(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩))
أتبعت حكاية قولهم الباطل والوعيد عليه باعتراض بين المستثنى منه والمستثنى يتضمن إنشاء تنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه ، فهو إنشاء من جانب الله تعالى لتنزيهه ، وتلقين للمؤمنين بأن يقتدوا بالله في ذلك التنزيه ، وتعجيب من فظيع ما نسبوه إليه.
(إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠))
اعتراض بين جملة (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الصافات : ١٥٩] وجملة (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) [الصافات : ١٦١] الآية ، والاستثناء منقطع ، قيل نشأ عن قولهم : (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات : ١٥٨] والمعنى لكن عباد الله المخلصين لا يحضرون ، وقيل نشأ عن قوله : (عَمَّا يَصِفُونَ) [الصافات : ١٥٩] أي لكن عباد الله المخلصين لا يصفونه بذلك ، وقيل من ضمير (وَجَعَلُوا) [الصافات : ١٥٨] أي لكن عباد الله المخلصين لا يجعلون ذلك. وهو من معنى القول الثاني ، فالمراد بالعباد المخلصين المؤمنون.
والوجه عندي : أن يكون استثناء منقطعا نشأ عن قوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الصافات : ١٥٩] فهو مرتبط به لأن «ما يصفون» أفاد أنهم يصفون الله بأن الملائكة بناته كما دل عليه قوله : (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) [الصافات : ١٤٩]. والمعنى: لكن الملائكة عباد الله المخلصين ، فالمراد من (عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الملائكة فهذه الآية في معنى قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦].