هذا هو الوجه في تفسير الآية الخليّ عن التكلفات وعن ارتكاب شبه الاستخدام في قوله : (الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) وعن التقدير.
وجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) مستأنفة كما تذكر النتيجة عقب الدليل ، أي أن في حالة الإماتة والإنامة دلائل على انفراد الله تعالى بالتصرف وأنه المستحق للعبادة دون غيره وأن ليس المقصود من هذا الخبر الإخبار باختلاف حالتي الموت والنوم بل المقصود التفكر والنظر في مضرب المثل ، وفي دقائق صنع الله والتذكير بما تنطوي عليه من دقائق الحكمة التي تمر على كل انسان كلّ يوم في نفسه ، وتمرّ على كثير من الناس في آلهم وفي عشائرهم وهم معرضون عما في ذلك من الحكم وبديع الصنع.
وجعل ما تدل عليه آيات كثيرة لأنهما حالتان عجيبتان ثم في كل حالة تصرف يغاير التصرف الذي في الأخرى ، ففي حالة الموت سلب الحياة عن الجسم وبقاء الجسم كالجماد ومنع من أن تعود إليه الحياة وفي حالة النوم سلب بعض الحياة عن الجسم حتى يكون كالميت وما هو بميت ثم منح الحياة أن تعود إليه دواليك إلى أن يأتي إبّان سلبها عنه سلبا مستمرا.
و (الآيات لقوم يتفكرون) حاصلة على كل من إرادة التمثيل وإرادة استدلال على الانفراد بالتصرف. وتأكيد الخبر ب (إِنَ) لتنزيل معظم الناس منزلة المنكر لتلك الآيات لعدم جريهم في أحوالهم على مقتضى ما تدل عليه.
والتفكر : تكلف الفكرة ، وهو معالجة الفكر ومعاودة التدبر في دلالة الأدلة على الحقائق.
وقرأ الجمهور (قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ببناء الفعل للفاعل ونصب الموت. وقرأه حمزة والكسائي وخلف (قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ببناء الفعل للنائب وبرفع الموت وهو على مراعاة نزع الخافض. والتقدير : قضي عليها بالموت ، فلما حذف الخافض صار الاسم الذي كان مجرورا بمنزلة المفعول به فجعل نائبا عن الفاعل ، أو على تضمين (قَضى) معنى كتب وقدر.
[٤٣ ـ ٤٤] (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤))