وجملة (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لتعميم انفراد الله بالتصرف في السماوات والأرض الشامل للتصرف في مؤاخذة المخلوقات وتسيير أمورهم فموقعها موقع التذييل المفيد لتقرير الجملة التي قبله وزيادة. والمراد الملك بالتصرف بالخلق وتصريف أحوال العالمين ومن فيهما ، فإذا كان ذلك الملك له فلا يستطيع أحد صرفه عن أمر أراد وقوعه إلى ضد ذلك الأمر في مدة وجود السماوات والأرض ، وهذا إبطال لأن تكون لآلهتهم شفاعة لهم في أحوالهم في الدنيا. وعطف عليه (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للإشارة إلى إثبات البعث وإلى أنه لا يشفع أحد عند الله بعد الحشر إلا من أذنه الله بذلك.
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي كشأنها في عطف الجمل ، ذلك لأن مضمون (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أن لله ملك الآخرة كما كان له ملك الدنيا وملك الآخرة أعظم لسعة مملوكاته وبقائها. وتقديم (إِلَيْهِ) على (تُرْجَعُونَ) للاهتمام والتقوّي وللرعاية على الفاصلة.
(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥))
عطف على جملة (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ) [الزمر : ٤٣] لإظهار تناقضهم في أقوالهم المشعر بأن ما يقولونه أقضية سفسطائية يقولونها للتنصل من دمغات الحجج التي جبههم بها القرآن ، فإنهم يعتذرون تارة على إشراكهم بأن شركاءهم شفعاء لهم عند الله. وهذا يقتضي أنهم معترفون بأن الله هو إلههم وإله شركائهم ، ثم إذا ذكر النبيصلىاللهعليهوسلم أن الله واحد أو ذكر المسلمون كلمة لا إله إلا الله اشمأزّت قلوب المشركين من ذلك. وكذلك إذا ذكر الله بأنه إله الناس ولم يذكر مع ذكره أن أصنامهم شركاء لله اشمأزت قلوبهم من الاقتصار على ذكر الله فلا يرضون بالسكوت عن وصف أصنامهم بالإلهية وذلك مؤذن بأنهم يسوّونها بالله تعالى.
فقوله : (وَحْدَهُ) لك أن تجعله حالا من اسم الجلالة ومعناه منفردا. ويقدر في قوله : (ذُكِرَ اللهُ) معنى : ذكر بوصف الإلهية ويكون معنى (ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) ذكر تفرده بالإلهية. وهذا جار على قول يونس بن حبيب في (وَحْدَهُ). ولك أن تجعله مصدرا وهو قول الخليل بن أحمد ، أي هو مفعول مطلق لفعل (ذُكِرَ) لبيان نوعه ، أي ذكرا واحدا ، أي لم يذكر مع اسم الله أسماء أصنامهم. وإضافة المصدر إلى ضمير الجلالة لاشتهار المضاف إليه بهذا الوحد. وهذا الذكر هو الذي يجري في دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم وفي الصلوات وتلاوة القرآن وفي مجامع المسلمين.