الإنصاف والانصياع إلى قواطع الحجج ، بحيث إن من يتطلب حاكما فيهم لا يجد حاكما فيهم إلا الله تعالى. وهذا أيضا يومئ إلى العذر للرسول صلىاللهعليهوسلم في قيامه بأقصى ما كلّف به لأن هذا القول إنما يصدر عمن بذل وسعه فيما وجب عليه ، فلما لقّنه ربه أن يقوله كان ذلك في معنى : أنك أبلغت وأديت الرسالة فلم يبق إلا ما يدخل تحت قدرة الله تعالى التي لا يعجزها الألدّاء أمثال قومك ، وفيه تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم وفيه وعيد للمعاندين.
والحكم يصدق بحكم الآخرة وهو المحقق الذي لا يخلف ، ويشمل حكم الدنيا بنصر المحق على المبطل إذا شاء الله أن يعجل بعض حكمه بأن يعجل لهم العذاب في الدنيا.
والإتيان بفعل الكون صلة ل (ما) الموصولة ليدل على تحقق الاختلاف ، وكون خبر (كان) مضارعا تعريض بأنه اختلاف متجدد إذ لا طماعية في ارعواء المشركين عن باطلهم.
وتقديم (فِيهِ) على (يَخْتَلِفُونَ) للرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بالأمر المختلف فيه.
[٤٧ ـ ٤٨] (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨))
عطف على جملة (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر : ٤٦] إلخ لأنها تشير إلى أن الحق في جانب النبي صلىاللهعليهوسلم وهو الذي دعا ربه للمحاكمة ، وأن الحكم سيكون على المشركين ، فأعقب ذلك بتهويل ما سيكون به الحكم بأنه لو وجد المشركون فدية منه بالغة ما بلغت لافتدوا بها.
و (ما فِي الْأَرْضِ) يشمل كل عزيز عليهم من أهليهم وأموالهم بل وأنفسهم فهو أهون من سوء العذاب يوم القيامة. والمعنى : لو أن ذلك ملك لهم يوم القيامة لافتدوا به يومئذ. ووجه التهويل في ذلك هو ما يستلزمه ملك هذه الأشياء من الشح بها في متعارف النفوس ، فالكلام تمثيل لحالهم في شدة الدرك والشقاء بحال من لو كان له ما ذكر لبذله فدية من ذلك العذاب ، وتقدم نظير هذا في سورة العقود. وتضمن حرف الشرط أن كون ما في الأرض لهم منتف ، فأفاد أن لا فداء لهم من سوء العذاب وهو تأييس لهم.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ سُوءِ الْعَذابِ) بمعنى لام التعليل ، أي لافتدوا به لأجل العذاب السيّئ الذي شاهدوه. ويجوز أن تكون للبدل ، أي بدلا عن (سُوءِ الْعَذابِ).