وعطف على هذا التأييس تهويل آخر في عظم ما ينالهم من العذاب وهو ما في الموصول من قوله : (ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) من الإيهام الذي تذهب فيه نفس السامع إلى كل تصوير من الشدة. ويجوز جعل الواو للحال ، أي لافتدوا به في حال ظهور ما لم يكونوا يحتسبون.
و (مِنَ اللهِ) متعلق ب (بَدا). و (مِنْ) ابتدائية ، أي ظهر لهم مما أعد الله لهم الذي لم يكونوا يظنونه.
والاحتساب : مبالغة في الحساب بمعنى الظن مثل : اقترب بمعنى قرب. والمعنى : ما لم يكونوا يظنونه وذلك كناية عن كونه متجاوزا أقصى ما يتخيله المتخيل حين يسمع أوصافه ، فلا التفات في هذه الكناية إلى كونهم كانوا مكذبين بالبعث فلم يكن يخطر ببالهم ، ونظير هذا في الوعد بالخبر قوله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧].
و (سَيِّئاتُ) جمع سيئة ، وهو وصف أضيف إلى موصوفه وهو الموصول (ما كَسَبُوا) أي مكسوباتهم السيئات. وتأنيثها باعتبار شهرة إطلاق السيئة على الفعلة وإن كان فيما كسبوه ما هو من فاسد الاعتقاد كاعتقاد الشركاء لله وإضمار البغض للرسول والصالحين والأحقاد والتحاسد فجرى تأنيث الوصف على تغليب السيئات العملية مثل الغصب والقتل والفواحش تغليبا لفظيا لكثرة الاستعمال.
وأوثر فعل (كَسَبُوا) على فعل : عملوا ، لقطع تبرمهم من العذاب بتسجيل أنهم اكتسبوا أسبابه بأنفسهم ، كما تقدم آنفا في قوله : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الزمر : ٢٤] دون : تعملون.
والحوق : الإحاطة ، أي أحاط بهم فلم ينفلتوا منه ، وتقدم الخلاف في اشتقاقه في قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) في سورة الأنعام [١٠].
و (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هو عذاب الآخرة ، أي يستهزءون بذكره تنزيلا للعقاب منزلة مستهزئ به فيكون الضمير المجرور استعارة مكنية. ولك أن تجعل الباء للسببية وتجعل متعلق (يَسْتَهْزِؤُنَ) محذوفا ، أي يستهزءون بالنبيء صلىاللهعليهوسلم بسبب ذكره العذاب. وتقديم (بِهِ) على (يَسْتَهْزِؤُنَ) للاهتمام به وللرعاية على الفاصلة.