التي اكتسب بها قارون من معرفة تدابيرها مالا عظيما ، وهو علم خاص به ، وأما ما هنا فهو العلم الذي يوجد في جميع أهل الرأي والتدبير.
والمراد : العلم بطرق الكسب ودفع الضرّ كمثل حيل النوتيّ في هول البحر. والمعنى : أنه يقول ذلك إذا ذكّره بنعمة الله عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم أو أحد المؤمنين ، وبذلك يظهر موقع صيغة الحصر لأنه قصد قلب كلام من يقول له إن ذلك من رحمة الله به.
و (بَلْ) للإضراب الإبطالي وهو إبطال لزعمهم أنهم أوتوا ذلك بسبب علمهم وتدبيرهم ، أي بل إن الرحمة التي أوتوها إنما آتاهم الله إياها ليظهر للأمم مقدار شكرهم ، أي هي دالّة على حالة فيهم تشبه حالة الاختبار لمقدار علمهم بالله وشكرهم إياه لأن الرحمة والنعمة بها أثر في المنع عليه إمّا شاكرا وإمّا كفورا والله عالم بهم وغنيّ عن اختبارهم.
وضمير (هِيَ) عائد إلى القول المستفاد من (قالَ) على طريقة إعادة الضمير على المصدر المأخوذ من فعل نحو (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، وإنما أنّث ضميره باعتبار الإخبار عنه بلفظ (فِتْنَةٌ) ، أو على تأويل القول بالكلمة كقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] بعد قوله : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) [المؤمنون : ٩٩ ، ١٠٠] والمراد : أن ذلك القول سبب فتنة أو مسبب عن فتنة في نفوسهم. ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى (نِعْمَةً).
والاستدراك بقوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ناشئ عن مضمون جملة (إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) ، أي لكن لا يعلم أكثر الناس ومنهم القائلون ، أنهم في فتنة بما أوتوا من نعمة إذا كانوا مثل هؤلاء القائلين الزاعمين أن ما هم فيه من خير نتيجة مساعيهم وحيلهم.
وضمير (أَكْثَرَهُمْ) عائد إلى معلوم من المقام غير مذكور في الكلام إذ لم يتقدم ما يناسب أن يكون له معادا ، والمراد به الناس ، أي لكن أكثر الناس لا يعلمون أن بعض ما أوتوه من النعمة في الدنيا يكون لهم فتنة بحسب ما يتلقونها به من قلة الشكر وما يفضي إلى الكفر ، فدخل في هذا الأكثر جميع المشركين الذين يقول كل واحد منهم : إنما أوتيته على علم.
[٥٠ ـ ٥١] (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠)